العصبية

العصبية

«الخردل»، عند قدماء الفرس يدعى «أسپندان»، وفي اللغة الفارسية اليوم يدعى بالخردل، نبات معروف له خواص كثيرة. ويصنع منه المُسْتَرْد. «العصبيّة»: هو الذي يبعث قومه على الظلم، ويغضب لصحبته، ويحامي عنهم. «عصبة»: العِصَبة، أقرباء من جهة الأب، لأنهم يعطون به، فيقوى بهم. و«التعصّب» بمعنى الحماية والدفاع. هذه التي ذُكرت كلمات أهل اللغة.

يقول الفقير إلى الله: العصبية واحدة من السجایا الباطنية النفسانيّة. ومن آثارها الدفاع عن الآخرين، وجميع المرتبطين به وحماتهم، بما في ذلك الارتباط الديني أو المذهبي أو السلوكي، وكذلك الارتباط بالوطن وترابه، وغير ذلك من ارتباط المرء بمعلّمه، أو أستاذه، أو أبناء ملّته. وإلى ذلك فالعصبيّة من الأخلاق الفاسدة والسجايا غير الحميدة، وتكون سبباً في إيجاد مفاسد أخلاقية وعملية. وهي بذاتها مذمومة حتى وإن كانت في سبيل الحق، أو من أجل أمر ديني، من غير أن يكون صاحبها لإظهار الحقيقة، بل يكون من أجل تقوية أو توقير مسلكه، ومَسْلَك عصيبته. أما إظهار الحق والحقيقة، وإثبات الأمور الصحيحة والترويج لها، وحمايتها والدفاع عنها، فإنا لا ليس من التعصّب، وإما أنه ليس تعصباً مذموماً.

إنّ المقياس في الاختلاف يتمثل في الأغراض، والأهداف، وخطوات النفس والشيطان، أو خطوات الحق والرحمن. وعبارة أخرى: إن المرء إذا تعصّب لأقرانه أو أحبّته، ودافع عنهم، فما كان بقصد إظهار الحق، ودحض الباطل، فهو تعصّب محمود، ودفاع عن الحق والحقيقة، ويعدّ من أفضل الكمالات الإنسانيّة، ومن خلق الأنبياء، والأولياء، وعلامة المميزة هو أن يميل الإنسان إلى حيث يميل الحق، فيدافع عنه، حتى وإن لم يكن هذا الحق إلى جانب من يحب، بل حتى لو كان الحق إلى جانب أعدائه. إن شخصاً هذا شأنه يكون من جملة حماة الحقيقة، ومن زمرة المدافعين عن الفضيلة، وعن المدينة الفاضلة، ومن الأعضاء الصالحين في المجتمع، ومن المصلحين لمفاسده.

----------------

القسم العربي، الشؤون الدولية، كتاب: الاربعون حديثاً، تعريب: السيد محمد الغروي، ص 171-172.

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء