عبد الباري عطوان
أقوى رد على خطة “الاستسلام المسمومة التي تحمل اسم الرئيس الامريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة جاء سريعا، وبعد يوم واحد فقط من اليمن العظيم، بضرب سفينة هولندية في خليج عدن واغراقها، وإعلان حركة “انصار الله” الغاء اتفاق الهدنة مع الولايات المتحدة الامريكية، مما يعني ان جميع شركاتها الكبرى وسفنها وحاملات طائراتها في الجزيرة العربية وبحورها باتت هدفا للصواريخ اليمنية الباليستية، والفرط صوتية، والمجنحة والانشطارية، ومسح جميع الخطوط الحمراء، وسياسات ضبط النفس.
فبينما تمارس وفود دول الوسطاء الثلاثة مصر وتركيا وقطر ضغوطا غير مسبوقة على حركة “حماس” عبر قيادتها المقيمة في الدوحة للقبول بخطة ترامب “المصيدة” الإسرائيلية الاعداد، ها هي حركة “انصار الله” اليمنية تسارع بدعم موقف المقاومة الفلسطينية وتعزيزه بالتصويب على الرأس الأمريكي، وليس على الذنب الإسرائيلي فقط بتوسيع دائرة الحرب في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وتأكيد وحدة الساحات مجددا وبالعمل، وليس بالبيانات، وإيصال رسالة تضامن قوية الى ضحايا حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة تعزز الموقف الرافض المأمول والمتوقع لهذه “الخطة الترامبية” التي تريد تفريغ قطاع غزة من أهله، ونهب غازه، وتحويله الى جزيرة للترفيه على غرار جزيرة جفري اپستین الصهيوني، ولكن تحت اسم ريفيرا الشرق الأوسط.
إدارة ترامب قبلت مرغمة بإتفاق الهدنة مع اليمن، تقليصا لخسائرها، وحفاظا على ما تبقى من هيبتها كقوة عظمى، بعد ان وصلت المسيّرات والصواريخ اليمنية الدقيقة الى حاملات الطائرات، والسفن الحربية الامريكية، وأوقعت فيها خسائر كبيرة دفعتها الى الهروب الى الشمال قرب، قناة السويس حتى لا تكون في مرمى هذه الصواريخ، فمن على وجه الكرة الأرضية يستطيع ان يتخذ هذا الموقف ويتحدى أمريكا الدولة العظمى، غير هذا اليمن، جد العرب.
عندما نقول ان هذه الخطة الترامبية مسمومة، فإننا نعني ان الهدف من طرحها إسرائيليا، وباسم الرئيس الأمريكي، الأغبى في التاريخ، هو تحقيق واحد من أبرز اهداف بنيامين نتنياهو من وراء حرب إبادته في غزة، وهو القضاء على حركات المقاومة في القطاع، وخاصة كتائب القسام (حماس) وسرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
حركة “حماس” لا يمكن، بل ولا يجب، ان تقبل هذه الخطة الامريكية، ولا نعتقد انها ستُخدع وتسلم سلاحها، وتغادر قطاع غزة، ولا نعتقد انها تنطلي عليها وتنخدع بالأكاذيب الواردة فيها، التي يسوقها الوسطاء، وأبرزها عدم تهجير القطاع من سكانه، وإعادة إعمار القطاع، وتحويله الى جنة الله في الأرض، وهي تعلم جيدا انه بمجرد نزع سلاحها ستتبخر كل هذه الوعود، وستبدأ عمليات التهجير وتصعيد الإبادة، تماما مثلما حدث في البوسنة، وخاصة مجزرة “سربرنيتسا” الشهيرة، فالمجرم واحد، وواضعوا خطوط المؤامرة وحرب الإبادة، ونكث العهود هم انفسهم في غزة وسراييفو، أي الولايات المتحدة وحلفائها الصهاينة، ابتداء من توني بلير، وجاريد كوشنر، وانتهاء بكبيرهم ستيف ويتكوف والقائمة تطول.
هذه “الهبة” اليمنية المشرفة، بإلغاء الهدنة، وتكثيف الهجمات الصاروخية للسفن وحاملات الطائرات الامريكية والمتعاملة مع الاحتلال وموانئه، هي العامل الحاسم الذي سيغير قواعد اللعبة، ويسرع بوأد الخطة الترامبية “الملغومة” قبل ان ترى النور، وعلينا ان نتذكر ان الصواريخ والمسيّرات اليمنية لم تتوقف مطلقا عن قصف يافا حيفا وبئر السبع وموانئ حيفا واسدود وعسقلان، وام الرشراش (ايلات) وباتت معزوفات صافرات الإنذار هي الانغام الموسيقية التي ينام على ترنيماتها ليليا اكثر من 6 ملايين مستوطن في الملاجئ وانفاق القطارات.
--------
عبد الباري عطوان ، رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم . القسم العربي ، الشؤون الدولية ، نقلا عن صحيفة رأي اليوم.