في الخامس عشر من كانون الاول ١٩٨٢ ، أصدر الإمام الخميني(قدس سره) أمراً مكوَّناً من ثمانية بنود، عُرف بـ الأمر ذي البنود الثمانية، وكان من أهم مضامينه الإقرار بحقوق الأفراد في المجتمع وترسيخ سيادة القانون.
لكنّ النقطة الأهم هي: ما هي الظروف التي دفعت الإمام إلى إصدار هذا الأمر؟
إنّ مضامين الأمر ذي البنود الثمانية تتمحور في الواقع حول الاعتراف بحقوق الناس في المجتمع وسيادة القانون، وغياب هذين المبدأين كان من المشكلات التاريخية للنظام السياسي في إيران. ولم يكتفِ الإمام بإصدار هذا الأمر فحسب، بل كان يتابع باستمرار عملية تنفيذه. وقد روى المرحوم السيد أحمد هذه المتابعات.
رواية المرحوم الحاج السيد أحمد عن متابعات الإمام
إضافةً إلى متابعة المسؤولين، كلٌّ بحسب موقعه، لهذا الموضوع، كان الإمام نفسه يتابع الأمر بشكل جاد، إلى حدٍّ يقول فيه المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني:
«لم أرَ الإمام يتابع أيّ قضية بهذا القدر من الإصرار حتى تصل إلى نتيجتها».
وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على صدور هذا الأمر، فإنّه لا يزال ـ تبعاً لاحتياجات المجتمع وطرح القضايا الحقوقية والسياسية والاجتماعية في إيران ـ حاضراً بقوة في النقاشات العامة تحت عناوين مثل: الخصوصية، وحقوق المواطنة، وكرامة الإنسان، وغيرها.
ويتجلّى هذا الاهتمام بشكل أوضح في الحكم الذي أصدره الإمام في ٢٥ كانون الاول ١٩٨٢، حيث جاء فيه:
نصّ الحكم الصادر عن الإمام الخميني(قدس سره)
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات السادة حجج الإسلام:
السيد موسوي أردبيلي (رئيس ديوان المحكمة العليا)،
السيد مير حسين موسوي (رئيس الوزراء)،
السيد إمامي كاشاني (رئيس ديوان العدالة الإدارية)،
السيد محقق (رئيس هيئة التفتيش العامة للبلاد)،
السيد ناطق نوري (وزير الداخلية)،
والسيد آقازاده (الوزير المستشار)،
يحقّ لهم، وبأغلبية الآراء، عزلَ الشخص أو الأشخاص المتخلّفين عن أداء واجباتهم بعد تشخيص المخالفة.
وأسأل الله تعالى التوفيق لهم.
روح الله الموسوي الخميني
(صحيفة الإمام، ج 17، ص 172)
الإجراءات التنفيذية للأمر ذي البنود الثمانية
ونظراً لأهمية هذا الأمر، باشر المسؤولون آنذاك باتخاذ خطوات عملية لتنفيذ كل بند من بنوده، حيث تمّ تشكيل هيئة خاصة ضمّت مسؤولين رفيعي المستوى من الأجهزة القضائية والتنفيذية والتشريعية. وكانت هذه الهيئة تعمل تحت رئاسة رئيس ديوان المحكمة العليا آنذاك، الذي كان يحمل أيضاً حكم رئاسة السلطة القضائية.
وقد قامت هذه الهيئة بإعداد لوائح تنظيمية في 24 محوراً، شكّلت في الواقع دليل عمل للجان التفتيش والرقابة، وكانت التقارير التي تُعدّ تُدرج ضمن جدول المتابعة والتنفيذ.
البعد القيمي والإنساني في فكر الإمام
إنّ هذا الفكر القائم على الكرامة والعزّة هو ما دفع الإمام في رسالته إلى التأكيد على ضرورة منع تضييع حقوق الناس، والاجتناب عن العراقيل الجاهلة، والابتعاد عن التشدّد والتطرّف.
وفي هذا السياق، يقول الإمام علي(عليه السلام) في الخطبة السابعة والعشرين من نهج البلاغة حول تضييع حقوق المواطنين ومسؤولية الحاكم تجاه انتهاك هذه الحقوق:
«لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حِجلها وقُلبها وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كَلْم، ولا أُريق لهم دم. فلو أنّ امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً».
------------
القسم العربي، الشؤون الدولیة.