حدود الحرية في النظام الاسلامي كما يراها الامام الخميني

حدود الحرية في النظام الاسلامي كما يراها الامام الخميني

رمضان اكبري مالستان

تمهيد

يتمحور هذا المقال حول الاجابة عن الاسئلة التالية: هل يتمتع الافراد في نظام الحكم الاسلامي بالحرية ؟ واذا كانوا يتمتعون بالحرية فهل هذه الحرية مطلقة ام مقيدة، واذا كانت مقيدة فما هي حدودها؟ وهل القانون هو الذي يشكل حدود الحرية، أم ارادة الحكام ورغباتهم؟ وماهي رؤية الامام الخميني بصفته مؤسس النظام الاسلامي، في هذا المجال؟

        الحرية ولدت مع الانسان وكانت موضع اهتمامه، وأن كل إنسان ينشد الحرية في كل عصر وزمان، لأن الحرية مرتبطة بارادة الانسان والارادة لن تنفصل عنه مطلقاً. وفي مدرسة الانبياء لاسيما الاسلام، ثمة تأكيدكبير على الحرية، وأن احد اهداف بعثة نبي الاسلام يكمن في تحرير الانسان من أسر الاوثان والطواغيت والخرافات.

        وفي عصرنا الحاضر تتردد مفردة الحرية كثيراً على الألسن، وأن كل نظام وكل حاكم يعتبر مواقفه وتصرفاته - سواء على الصعيد الوطني أو الدولي- تنشد الحرية وتتطلع اليها، ولايكف عن الحديث عن حرية الجماهير.

        وأن ثمة تصورات متباينة عن مفردة الحرية، لهذا ينبغي اولاً توضيح مفهوم الحرية، ومن ثم البحث عن مكانة الحرية في الاسلام، وبالتالي دراسة انواع الحرية وحدودها في النظام الاسلامي من وجهة نظر الامام الخميني.

 

مفهوم الحرية

الامام الخميني لم يضع تعريفاً مستقلاً للحرية. إذ أن سماحته يعتبر مفهوم الحرية واضحاً للجميع ولايحتاج الى تعريف. لقد حاول الامام من خلال ذكر مصاديق الحرية وحدودها، أن يوضح مفهوم الحرية في كل موضع من المواضع. وفي  احدى المرات سئل عن مفهوم الحرية فقال:

        (الحرية ليست موضوعاً ليكون لها تعريف. الناس احرار في معتقداتهم، ولايلزمهم احد بالايمان بعقيدة ما. كما أنه لايستطيع احد إلزامك بسلوك طريق معين،او انتخاب شئ محدد، ولاحتى الاقامة في مكان ما واختيار عمل بعينه. فالحرية أمر واضح وبيّن). (صحيفة الامام، ج10، ص72).

        سماحة الامام يعتبرالحرية امراً فطرياً ونعمة إلهية منّ الله تعالى بها على الناس:(تعتبرالحرية احد اركان الاسلام. وان الانسان الحقيقي، إنما هو إنسان حرّ بالفطرة).(المصدرالسابق،ج4، ص242).

ويرى سماحته: (الحرية من حق الناس، فالقانون نصّ على الحرية، والله سبحانه منح الناس الحرية.. الاسلام يؤكد على الحرية، والدستور ينص على تمتع المواطنين بالحرية.) (المصدر السابق، ج3، ص406).

ويضيف: (الحرية افضل نعمة منّ بها الله تعالى على البشرية). (صحيفة الامام، ج7، ص367).

وبناء على ذلك فان الامام الخميني ينظر الى الحرية في اطار الفضائل والقيم المعنوية، لأنه يراها ذات بعد فطري وإلهي، ويعتبر جميع أبعادها موضع اهتمام الاسلام.

والمفكرون الاسلاميون يقسمون الحرية الى نوعين: معنوية واجتماعية، بحيث أن الحرية الاجتماعية لن تتحقق بمعزل عن الحرية المعنوية. والحرية المعنوية إنما هي تحرر من قيد الهوى والهوس والتعلقات المادية، كي يكون باطن الانسان حراً. أما الحرية الاجتماعية فهي تعني أن يتمتع الانسان بأجواء النمو والتكامل، وأن لايحول الآخرون دون استيفائه لحقوقه، وأن يكون الانسان متحرراً من قيد وأسر الآخرين. (الحرية من منظار الشهيد مطهري، ص21، 41).

من جهة أخرى أن الحرية لها بعد فلسفي وأخلاقي وعرفاني وقانوني. والحرية الفلسفية تعني الاختيار في مقابل الجبر، حيث يتمتع بها الانسان لكونه إنساناً، وليس بوسع أية قوة أن تسلبه ذلك. والحرية العرفانية تعني التجرد من كل شئ سوى الله تعالى. اما الحرية الاخلاقية فيه تعني تحرير العقل من هيمنة الغرائز والشهوات، وهي ذاتها الحرية المعنوية. اما الحرية القانونية فهي الحرية الاجتماعية ذاتها، وفي هذا الجانب من الحرية، يدور البحث حول: الى اي حدّ تستطيع الحكومة والقانون أن تقييد حرية الافراد.(مقدمة لحقوق الاسلام،ص250-الحقوق الاساسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية، ج1، ص196)

وفي هذا البحث سنتناول الحرية بمثابة حقاً ونحاول التعرف على الحدود التي تؤطرها في النظام الاسلامي من وجهة نظر الامام الخميني.

 

الحرية في الاسلام

بعد إتضاح مفهوم الحرية، لنرى المكانة التي تتمتع بها الحرية في الاسلام. طبعاً لابد من الاشارة هنا الى أنه توجد بشكل عام ثلاث رؤى حول الحرية. الاولى تؤيد الحرية وتعتبرها حقاً طبيعياً للانسان، لأن الانسان خلق حرّاً بطبعه، وأن تقييد الحرية يحدّ من مؤهلاته ولياقاته. ومن دعاة هذا التوجه يمكن الاشارة الى جان جاك روسو، جان لاك، وجان استيوارت ميل.(مقدمة للعقد الاجتماعي، ص16) .

الرؤية الثانية هي تلك التي تعارض الحرية وتعتبر الانسان يتصف بالوحشية والغدر بطبعه،  ويميل الى القوة والتسلط. وفي هذا الصدد يعتبر ميكافيلي الاستعانة بالقوة والخداع أمراً جائزاً، وكان يعطي الحق للحكومة باستخدام انواع القوة لتقييد الانسان والحد من حريته. وأن هابز في انكلتر وجان بدن في فرنسا، كانا يؤيدان وجهة نظر ميكافيلي.(حرية الفرد وسلطة الدولة، ص161).

اما الرؤية الثالثة فهي تلك التي يؤمن بها الاسلام حيث ينظر الى الانسان باعتباره اشرف المخلوقات، وخليفة الله وحامل أمانته، ويتمتع بالفضائل والكمالات الرفيعة، وأن احدى هذه الفضائل نعمة الحرية القيمة. فمن وجهة نظر الاسلام أن الانسان يرضى بأن يكون عبداً لله سبحانه، إلاّ أنه متحرراً من العبودية والخضوع لغيرالله تعالى.. الاسلام جاء ليحطم القيود والاغلال الثقيلة الاجتماعية والباطنية، ويحرر الانسان من عبودية الاوثان والطاغوت والخرافات: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).(الاعراف، الآية 157).

من وجهة نظر الامام الخميني، الحرية من بركات الاسلام وأحد اركانه الرئيسية:

(ان هذه الحرية التي ننعم بها إنما هي من بركات الاسلام. بفضل بركة الاسلام بات الجميع ينعم بالحرية بعد الثورة.)(صحيفة الامام، ج10، ص431)

ومكانة الحرية في الاسلام تفوق مكانتها في أي دين أو نظام آخر... الاسلام سبّاق في هذا المجال ويمتلك برامج حيوية فذة بالنسبة للحرية،لأن الاسلام يهدف الى تحطيم قيود الأسر والعبودية لغير الله من أيدي وارجل  الانسان.

 

حدود الحرية

الحرية هبة إلهية لا يحق لاي شخص أو جهة أن تسلب هذه النعمة الالهية أو تقييدها. ومن جهة أخرى أن الانسان كائن اجتماعي بحاجة الى التعاون والمشاركة مع الآخرين لتذليل الصعاب التي تواجهه. ولهذا فهو مضطر للحد من حريته في اطار الضوابط والقوانين المدنية. لأنه اذا كان جميع أفراد المجتمع يتمتعون بحرية مطلقة ولاتوجد ضوابط ومقررات تحد من إرادتهم، سوف يتداعى أساس الحياة الاجتماعية ويعم الهرج والمرج في المجتمع. ولهذا فان الانسان مضطر للحد من حريته. طبعاً الحرية المطلقة غير ممكنة في اي مجتمع ، وأساساً لايمكن الجمع بين الحرية المطلقة وكيان المجتمع، ولايخفى أن الاختلاف والتباين بين الانظمة بالنسبة لحدود الحرية إنما هو أمر نسبي.

وفي الحضارة الجديدة خاصة في الغرب، فأن اساس الحياة قائمة على استغلال الحد الاقصى من المصالح المادية واشباع الحد الاعلى من الرغبات الفردية. وان جميع الاشخاص متحررين من قيود المفاهيم والمعتقدات الدينية والاصول الاخلاقية ويحق لهم القيام بكل ما يحلو لهم شريطة أن لايتعارض مع القوانين الموضوعة. ان هذا النوع من الحرية يقضي على الروح الانسانية والملكات الفاضلة لدى الانسان، وفي نهاية المطاف يتدنى بالانسان الى مرتبة الحيوانات ويحول دون تكاملة. ان حدود حرية الاشخاص في الغرب هي حرية الآخرين. (بحوث اسلامية،ص202).

أما الاسلام فانه بعد أن يحرر الانسان من قيد الشهوات، يؤكد على الاوثان والطواغيت، ويترك الانسان حراً يفعل ما يحلوله شريطة أن لايتجاوز الحدود الالهية، ويأخذ بنظر الاعتبار اوامر الله ونواهيه.. الاسلام بنى أساس تعاليمه في المرحلة الاولى على التوحيد، وفي المرحلة الثانية على ملكة الاخلاق الفاضلة، ووضع أوامر ونواهي لكافة تصرفات الانسان الفردية والاجتماعية. وعليه فان الحرية في الغرب والحضارة الجديدة، غير مقبولة بالنسبة للاسلام، بل وضعت لها حدود أخرى. وفي المقابل آمن الاسلام بنوع من الحرية للانسان تفتح أمامه آفاقاً واسعة، وهي التحرر من قيد عبودية غير الله سبحانه. ان هذه الحرية ذات دائرة واسعة وتحطم الكثير من القيود والاغلال السائدة في العالم الغربي وإزالتها من امام الانسان. اي حرركل أمة من سلطة وهيمنة الأمم الأخرى،و حرركل فئة وطبقة اجتماعية من قيد عبودية بقية الطبقات، ومنح كافة أفراد المجتمعات القوية والضعيفة والقوميات المتعددة، فرصة متساوية للتمتع بالحرية. (الميزان،ج4، ص185)

الامام الخميني ايضاً يحترم الحرية في ظل الاسلام وفي حدود القانون، ويعتبرها هدية قرآنية: (اعلموا أنكم بالاسلام تستطيعون أن تكونوا مستقلين، وفي ظل الاسلام تستطيعون أن تكونوا احراراً. القرآن جعلكم احراراً، والقرآن يصون استقلالكم .) (صحيفة الامام،ج7، ص24).

ويضيف سماحة الامام:

(القرآن الكريم يوصي بالحرية والاستقلال. ونحن جميعاً نتبع القرآن الكريم ونتبع موازين الاسلام وقواعده.)(صحيفة الامام، ج6، ص101). ويمضى بالقول:

(ليس معنى الحرية أن نجلس ونتحدث خلافاً للاسلام. الحرية تكون في حدود القانون. أن دين بلادنا هو الاسلام. وأن حدود الحرية هي أن لاتسيءللاسلام. أن دستورنا يعتبر الدين الاسلام.)(صحيفة الامام، ج7، ص487).

من وجهة نظر الامام الخميني الاسلام دين الحرية:

(لو نجحنا بتطبيق احكام الاسلام كما هي، فأنها سوف تحقق السعادة لكم جميعاً.. الاسلام دين الحرية والاستقلال. الاسلام دين يمنح الجميع حقوقهم ويصونها). (صحيفة الامام، ج6، ص526).

الامام الخميني يؤمن بأن نطاق الحرية في الاسلام واسع للغاية:

(إذا كنتم تؤمنون بأحكام الاسلام فان هذه الاحكام تمنح الانسان الحرية، وتجعله يتحكم بمصيره وماله ونفسه ونواميسه. لقد نصت هذه الاحكام على أن يكون الانسان مهيمناً، أن يكون الانسان حرّاً... كل إنسان حرّ في سكناه وفي مأكله ومشربه الذي لايتعارض مع القوانين الالهية ..ان احكام الاسلام تنص على إذا ما أقتحم شخص منزل احدهم فأنه يحق لصاحب المنزل أن يقتله.. الى هذا الحد يوافق الاسلام على الحريات.) (صحيفةالامام،ج1، ص286-287).

وبناء على ذلك فان حدود الحرية في الاسلام القانون الالهي واحكام الشريعة، وهذا ما يؤكد عليه الامام الخميني ويعتبر الحرية محترمة في حدود القرآن والاسلام.

والحرية الاجتماعية التي تقبل المحدودية، علماً أن جميع الانظمة الاجتماعية لديها محدوديات خاصة بها، ذات اشكال متعددة سنحاول هنا تسليط الضوء عليها.

 

انواع الحرية وحدودها في القرآن

لقد اتضح مما ذكر أعلاه أن الحرية المطلقة غير ممكنة في اي من النظم الاجتماعية. وأن كل أمة وكل مجتمع يعمل على تحديد حرية الافراد في اطار الضوابط والقوانين من أجل سيادة النظم. غير أن هذه المحدودية تتباين مابين النظام الاسلامي. والانظمة الأخرى. وفي الوقت الذي تقف فيه حدود الحرية في المجتمعات الاخرى عند حرية الآخرين والقوانين الموضوعة. فان حدود الحرية في الاسلام هي احكام الله. لأن الله خالق الناس وهو أدرى باحتياجات مخلوقاته، وهو وحده الذي يمتلك الأهلية لسنّ القوانين.

 

اولاًـ حرية الفكر

من خصائص الانسان البارزة القدرة على التفكير، وهو على نوعين: تفكير ايجابي وآخر سلبي. فالتفكير الايجابي والبنّاء في نظام الخلق واكتشاف الحقائق واسرار الكون، بوسعه أن يرشد الانسان الى خالق الكون، ويسخّر الطبيعة لخدمة رخاء الانسان وسعادته. وأن بوسع التفكير في التاريخ والعلوم أن يضطلع بدور بنّاء في الازدهار الثقافي والعلمي للمجتمع. أما التفكير السلبي فهو الذي يسخّر للمقاصد الشيطانية والسيطرة على الناس واشباع الشهوات الحيوانية دون الالتفات الى المبادئ والقيم الانسانية. ويعتبر هذا النوع من التفكير مضراً ومكلّفاً.

الامام الخميني كثيراً ما يشدد على حرية الفكر و يعتبره شرطاً للاستقلال السياسي و العلمي:

(اذا أردنا أن نكون مستقلين، ينبغي أن تكون افكارنا مستقلة اولاً، اي أن [نبدأ] من الحرية الفكرية ... والحرية الفكرية تعني أن يكون الانسان حراً في تفكيره حتى في المسائل العلمية.) (صحيفة الامام، ج11، ص180).

ومن جهة أخرى يعتبر كل شكل من اشكال مخالفة القانون والقيم الاسلامية، أمراً مرفوضاً. كما يمنع نشر و ترويج الافكار الفاسدة التي تسيء الى المجتمع. يقول الامام : ( الحرية تكون في حدود الاسلام، وفي حدود القانون. فلا يمكن انتهاك القانون بحجة الحرية.) (صحيفة الامام، ج9، ص150).

وبناء على ذلك تعتبر الحرية الفكرية مسموح بها من وجهة نظر الامام الخميني، لأن سماحته يعتبر حرية التفكير تمهد الارضية للنمو الفكري والاستقلال السياسي.

 

ثانياً- حرية العقيدة

العقيدة تنبع احياناً عن الفكرالسليم، واحياناً تكون وليدة العواطف والاحاسيس والرغبات والعادات والتعصب والتقليد، حيث يكون هذا النوع من المعتقدات مؤسراً وتترتب عليه تبعات خطيرة على المجتمع، نظير عبادة الاحجار والحيوانات والقمر والنجوم وانواع الاوثان والاصنام. ولايمكن القول أن هذا النوع من العقائد يحظى بالاحترام، بل لابد من العمل على تحرير عقول الناس وافكارهم من أسر هذه المعتقدات غير المنطقية.

ان العقائد والاديان مثل الحق والباطل فيها السليم وغير السليم، ومن الناحية العقلية لايمكن تأييد كل عقيدة. وان الرؤية الكونية الاسلامية المبنية على المبادئ العقلية، تقسّم العقائد والاديان البشرية الى حق وباطل، وتدعوالناس الى دين التوحيد وتحذرهم من العقائد غير التوحيدية. ومن جهة أخرى أن العقيدة إنما هي من الصفات الباطنية ولايمكن فرضها على أحد، ولايتسنى القبول بها إلاّ من خلال تمهيد الارضية وتذليل العقبات. وبناء على ذلك فان الايمان والفكر يتسمان بالحرية على الدوام من الناحية التكوينية، أما من الناحية التشريعية فهما محدودان، فالايمان مقبول والكفر مرفوض.

وقد تحدث القرآن تحدث عن حرية العقيدة بكل وضوح. فمن وجهة نظر القرآن أن الانسان يتمتع بالكرامة وبمؤهلات استثنائية ويليق به تقلّد المناصب المادية والمعنوية البارزة. فهو كائن مختار وأن افعاله ومعتقداته تكون بوحي من معرفة وإرادة، ولهذا من غير الممكن فرض عقيدة ما عليه،( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة،256) . وإنما يختار معتقداته بوحي من عقلانيته . فقد نصت الآية 3 من سورة الانسان: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) . كما جاء في الآية 29 من سورة الكهف: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ).

الاسلام لايرغم احداً على القبول به، بل يوضح اصوله ومبادئه بالادلة العقلية الواضحة وعن طريق ملامسة وجدان الفرد ومن ثم يدعو الجميع الى قبوله.. الاسلام لايسمح بتفتيش العقائد مطلقاً.

وفي ضوء ذلك فان الاقليات الدينية تتمتع بحق الحياة في الحكومة الاسلامية، وتنعم بالامن القانوني والمدني، ولايحق للحكومة الاسلامية وبقية افراد المجتمع أن يجبرونها على اعتناق الاسلام. والامام الخميني الذي يعد مؤسس النظام الاسلامي في العصر الحاضر، وعلى إطلاع بالعقائد والمذاهب المتعددة، يعلن بكل صراحة عن ايمانه بحرية المعتقد ويعتبر فرض العقائد ممنوعاً:

(نحن لانريد فرض القيم الاسلامية على الغرب مطلقاً، لاعلى الغرب ولاعلى الشرق.. الاسلام لايفرض على أحد ولاعلى مكان ما.. الاسلام يعارض الفرض والاجبار.. الاسلام ليس دين الاجبار.. الاسلام يدعو الى الحرية بمختلف أبعادها. نحن نعرض الاسلام فقط، يقبله من يريد و يرفضه من لايريد.) (صحيفة الامام، ج11، ص156-157).

وفي موضع آخر يؤكد سماحة الامام على حرية المعتقد، إلاّ أنه يعلن عن رفضه للتآمر وإساءة استغلال حرية العقيدة:

(بالنسبة للمجتمع الذي نفكر بإقامته سوف يتمتع فيه الماركسيون بمطلق الحرية في التعبير عن افكارهم، لأننا واثقون أن الاسلام يمتلك الاجابات الشافية لاحتياجات الناس، وأن ايماننا وعقيدتنا قادران على التصدي لإيديولوجية هؤلاء. وأن الفلسفة الاسلامية تصدت منذ اليوم الاول للذين ينكرون وجود الله، ونحن لن نصادر حرية هؤلاء أبداً، ولن نلحق بهم أذى.كل شخص حرّ في اظهار عقيدته، غير أننا لانسمح له بالتآمر.)(صحيفة الامام، ج3، ص324).

ويقول سماحته حول حرية العقيدة:

(الناس أحرار في معتقداتهم، ولن يلزمهم احد بأن يؤمنوا بعقيدة معينة.. ليس هناك من يفرض عليكم بوجوب السير في هذا الطريق.) (صحيفة الامام، ج10، ص94).

وبالنسبة للاقليات الدينية والمذهبية يقول الامام الخميني:

( الدولة الاسلامية دولة ديموقراطية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأن جميع الاقليات الدينية تتمتع بالحرية بشكل كامل، وبوسع كل شخص أن يعبر عن عقيدته بكل حرية. كما أن الاسلام يتعهد بالرد على مختلف العقائد، وأن الدولة الاسلامية تجيب بالمنطق على ماهو منطقي.) (صحيفة الامام، ج4، ص410).

وفي موضع آخر يشدد سماحته على احترام حقوق الاقليات الدينية وأنها تمارس حقوقها الدينية، والمذهبية بمطلق الحرية:

(أن كل الاقليات الدينية في ايران تتمتع بكامل الحرية بممارسة طقوسها الدينية والاجتماعية، وأن الحكومة الاسلامية تعتبر من واجبها توفير الامن لهذه الاقليات والدفاع عن حقوقها، وأن أتباعها يحظون بالاحترام شأنهم شأن بقية أفراد الشعب الايراني المسلم.) (صحيفة الامام، ج4، ص441).

 

ثالثاً- حرية التعبير

حرية التعبير احد حقوق الانسان الفطرية التي أنعم الله تعالى بها على الانسان: (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ )(سورة الرحمن، الآيات 1-4) . وعلى الرغم من أن البيان يطلق على ماينطق به اللسان، إلاّ أن الكتابة وأي وسيلة أخرى للتعبير عن الفكرة والعقيدة تسمى بياناً. ولهذا أقسم الله تعالى بالقلم:( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) .(القلم، الآية 1).

أن بوسع البيان أن يعبر عن الحقائق والافكار الحقّة والمفيدة، أو عن الافكار الباطلة والخاطئة. وقد أوصى القرآن بالقول الحق والكتابة العادلة، ونهى عن المواضيع المنحرفة والمضللة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (الاحزاب،الآية 70). وفي هذا الصدد يؤكد الشهيد مطهري:

في النظام الاسلام يجب أن ينعم الجميع بالحرية كي يعبّروا عن آرائهم وافكارهم. فلا يتصور دعاة الاسلام أن السبيل للدفاع عن العقائد الاسلامية يكمن في الحيلولة دون السماح للآخرين بالتعبير عن عقائدهم، بل ينبغي الدفاع عن الاسلام بالعلم والسماح بطرح الفكر المخالف والتعاطي معه بالاسلوب العلمي الواضح. ولابد من التمييز بين حرية الفكر و حرية التعبير عن الرأي والعقيدة وبين حرية الاغفال والتآمر. ويجب عدم السماح باستغلال الواجهة الاسلامية للترويج للمواضيع المنحرفة والمضللة. (حول الثورة الاسلامية، ص10-12).

الامام الخميني يؤكد على حرية الافراد في النظام الاسلامي في اطار القوانين ويقول: ( في كل بلد الحرية تكون في اطار قوانين ذلك البلد. لأن حرية الرأي والتعبير تكون في اطار الدستور.) (صحيفة الامام، ج7، ص535-536).

ويقول الامام الخميني حول حرية القلم التي هي مظهر لحرية التعبير:(القلم الذي يمارس نشاطه بحرية هو الذي لايتآمر.. الاقلام حرّة فيما تكتب، والصحف تتمتع بالحرية فيما تنشر اذا لم تحاول جرّ هذا الشعب الى الوراء والضياع. ان الاقلام هي ذاتها الحراب السابقة التي كانت تحاول جرّ الشعب الى الضياع والانحراف.) (صحيفة الامام، ج10، ص350).

يؤمن الامام الخميني بأن الاسلام يمتلك حجة قوية ولايخشى من حرية الرأي والتعبير:

(حرية الرأي آمن بها الاسلام منذ البداية، منذ زمن ائمتنا (عليهم السلام)، بل وفي عصر نبي الاسلام. كانوا يقولون مايريدون .. نحن نمتلك الحجة. والذي يمتلك الحجة لايخشى من حرية الرأي . ولكننا لن نسمح بالتآمر.) (صحيفة الامام، ج6، ص277).

وعندما سئل الامام عن حدود الحرية أجاب سماحته: (إذا لا يساء الى كرامة الشعب، مسموح بطرح كل شئ.. الاشياء التي لايسمح بها هي تلك التي تسيءالى شعبنا.. فاذا كانت تسيءللامة لن يسمح بها. واذا كان مجرد التعبير عن الرأي والعقيدة فلا مانع من ذلك). (صحيفة الامام، ج5، ص520).

وعن اوضاع الصحافة يقول سماحته: (الصحف التي لاتمارس نشاطاً معادياً للامة، والصحف التي لاتحاول في كتاباتها الى حرف الامة، تتمتع بكامل الحرية.) (المصدر السابق، ص521).

من غير المسموح نشر الموضوعات المنحرفة والمضللة من وجهة نظر الامام الخميني:

(الاسلام يؤمن بالديمقراطية،والناس يتمتعون بالحرية في الاسلام، سواء حرية الرأي والمعتقد وكل ما يقومون به، شريطة أن لايكون هناك تآمر، وأن لا تثار قضايا وموضوعات تقود الشعب الايراني الى الانحراف). (المصدر السابق، ص468).

ان حرف الافكار ونشر الفساد والتآمر ضد المجتمع، تعتبر خطوط حمراء بالنسبة لحرية الرأي والتعبير من وجهة نظر الامام الخميني.

 

رابعاً – الحرية السياسية

تعتبر الحرية السياسية احد أبرز انواع الحريات الاجتماعية. و الحرية السياسية عموماً تشمل انواع الانشطة التي تترك تأثيرها على المصير السياسي للمجتمع. وأن ابرز مصاديق الحرية السياسية عبارة عن:

1-      حرية الانتخاب وحق التصويت في انتخاب الحاكم والحكومة .

2-      حرية تشكيل التنظيمات والاحزاب.

3-      حرية الرأي والتعبير التي تمت الاشارة اليها.

الاسلام يؤيد حرية تشكيل الاحزاب والتنظيمات، لأنه يدعم النمو الفكري للمجتمع ويشجع على التعاون العام، ويدعو الجماهير للتحكم بمصيرها. والاسلام يدعو للتعاون في الامور الخيرية ويخطط لدعم وتقوية التقوى الفردية والاجتماعية التي تشمل التعاون الحزبي ايضاً. وبطبيعة الحال ينهى عن التحزب الذي يقود الى الإثم والعدوان: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(سورة المائدة، الآية3).

ان سيرة نبي الاسلام (ص) توضح بأن حرية الاحزاب والتنظيمات التي تعمل من أجل خير المجتمع وسعادته، تحظى بالاحترام والتقدير. ففي فترة شبابه إنضم الرسول الاكرم(ص) قبل البعثة الى حلف الفضول الذي قام بتشكيله مجموعة من شباب مكة الغيورين للدفاع عن المظلومين.(سيرة ابن هشام،ج10، ص140و 142. ويتضح من سيرة الامام علي(ع) أن الحرية السياسية سواء على صعيد حرية التعبير أو حرية الاحزاب والتنظيمات، كان مسموح بها في النظام الاسلامي، وكان بوسع الاشخاص تشكيل التنظيمات والاحزاب للمشاركة في الشؤون السياسية.

وفي هذا الصدد يقول الشهيد مطهري: يقوم النظام السياسي والاجتماعي في الاسلام على أساس احترام الحريات الاجتماعية.. الاسلام يعلن عن ايمانه بالحرية، والآخرون يعلنون ايضاً. ولكن انظروا أنتم الى مدى النجاح العملي الذي حققه الاسلام في هذه المجال، وما حققه الآخرون .. (الاعمال الكاملة، ج25، ص 139ـ 140) .

من وجهة نظر الامام الخميني، حرية الاحزاب والتنظيمات تحظى بالموافقة والقبول .. وأن الاحزاب والجمعيات تمارس نشاطها بكل حرية شريطة أن لاتسيء الى مصلحة المجتمع والاحكام الاسلامية. ان سماحته يرى الحرية حتى للاحزاب الماركسية:

(بالنسبة للمجتمع الذي نطمح الى إقامته، سوف ينعم فيه الماركسيون بالحرية في التعبير عن افكارهم، لأننا على ثقة من أن الاسلام يمتلك الاجابات الشافية لاحتياجات الناس.. أن ايماننا وعقائدنا قادران على مواجهة أيديولوجية هؤلاء.) (صحيفة الامام، ج3، ص371).

وفي موضع آخر يؤكد سماحته على أن الاحزاب تمارس نشاطها بكل حرية، وينبغي لها مراعاة الضوابط الاسلامية فحسب وأن تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة المجتمع:

( الصحافة حرّة في نشر كل الحقائق والوقائع. وأن كل التنظيمات والاحزاب الشعبية التي لاتهدد مصالح الشعب تمارس نشاطها بكل حرية، وأن الاسلام قد وضع حدوداً لكل ذلك). (صحيفة الامام، ج4، ص266).

كما أن حق الانتخاب والترشح موضع اهتمام في النظام الاسلامي للجميع، ويتم تنظيم ذلك بناء على آلية خاصة. ومن وجهة نظر الاسلام أن مصدر الحكم هو الله تعالى، لأنه خالق التكوين والتشريع، ومنح الانسان حق التحكم بمصيره. وان نظام الحكم في الاسلام بصورة لايحرم الناس من حق تعيين مصيرهم ولامن حق الانتخاب، ولا انتخاب مايريده الآخرون سواء كان صالحاً أو غير صالح. ومعنى هذا أن شروط القيادة تحددها الشريعة، وينبغي للناس مراعاة هذه الحدود على وجه الدقة في انتخاب القائد والحاكم. ومن شروط القيادة في الاسلام يمكن الاشارة الى التقوى والعدالة والوعي السياسي والفقاهة الى حد الاجتهاد. وأن الجماهير تصوّت بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأحد الفقهاء الواجدين لشروط القيادة و تنتخبه.

      وفي القرآن ثمة اهتمام برأي الناس ويوصي بالتشاورمعهم:(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).(الشورى، الآية 8). والتشاور مع الناس في الظروف المعاصرة لايكون إلا عن طريق الانتخابات والاستفتاء.

وفي عصر المعصوم (ع) لم تتشكل الحكومة بدون مبايعة الناس. فالامام علي (ع) كان إماماً وخليفة الرسول (ص) في عالم الثبوت، ولكن لم يتسلم الحكم طالما لم يباعه الناس. وبهذا النحو فان الحرية السياسية في النظام الاسلامي تم القبول بها بصورتها البارزة في نطاق احكام الشرع. وتنص المادة العاشرة من دستورالجمهورية الاسلامية الايرانية على أن اختيار القائد من مسؤولية خبراء القيادة المنتخبين من قبل الشعب.

وكما هو واضح أن خبراء القيادة يتم انتخابهم بصورة مباشرة من قبل الشعب، وبدورهم يقوم خبراء القيادة، الذين على احاطة بشروط القيادة من وجهة نظر الاسلام اكثر من أبناء الشعب، باختيار واحداً من بين الذين تتوافر فيهم الشروط وفقاً للقوانين المنصوص عليها. وبهذا النحو يشارك الناس في انتخاب الحاكم الاسلامي، ويعتبر ذلك احد اشكال الحرية السياسية.

كما أن انتخاب كبارالمسؤولين التنفيذيين ونواب السلطة التشريعية يعتبرمن حقوق الشعب المسلّم بها ، وتتحمل الجماهير مسؤولية التعرف على الكفاءة والثقة والاطمئنان والتصويت لها.

والامام الخميني يولي اهتماماً فائقاً للحرية السياسية وحق الانتخاب واهمية رأي الشعب. ويشدد سماحته على ضرورة احترام رأي الشعب:

(المعيار هو رأي الشعب.. الشعب هوالذي يصوّت ويختار.. لاتمزحوا مع الشعب.. لاتستهينوا برأي الشعب.. ثقوا بالشعب.) (صحيفة الامام، ج8، ص173-174).

ويقول سماحته حول نزاهة الانتخابات:

(ان احدى ابرز الواجبات الاولية الجامعة بالنسبة للمسؤولين بعد سقوط الشاه تكمن في التمهيد لاجراء انتخابات حرة، وعدم السماح بأي شكل من الاشكال بممارسة القوة والنفوذ لأي طبقة أو جماعة في الانتخابات.) (صحيفة الامام، ج5، ص382).

من وجهة نظر الامام الخميني، النظام الاسلامي يرتكز الى آراء الشعب والى الموازين الاسلامية، وأن رأي الشعب يحظى بالاولوية في هذا الصدد:

     (لقد أعلنا عن إقامة الجمهورية الاسلامية، وأن الشعب صوّت عليها من خلال المسيرات المكررة.. دولة تستند الى آراء الشعب، وقائمة على القواعد والموازين الاسلامية.) (المصدر السابق، ص391).

الامام الخميني لن يجيز اي شكل من اشكال الفرض والضغط والتلاعب في آراء الشعب، ويشدد سماحته على حرية الرأي:

(كما ذكرت مراراً ، أن الشعب حرّ في الانتخابات وليس بحاجة الى وصي وقيّم. ولايحق لشخص أو فريق او جماعة فرض شخص أو أشخاص على الشعب .. ان المجتمع الايراني المسلم الذي اختار، بفضل حكمته ووعيه السياسي، الجمهورية الاسلامية ومبادئها السامية وسيادة القوانين الالهية وبقي وفياً لهذه البيعة وهذا العهد الكبير، قادر دون شك على تشخيص وانتخاب المرشح الاصلح.) (صحيفة الامام،ج21،ص10).

وبناء على ذلك، تخطى الحرية الساسية وحق الترشح وحرية الانتخاب، تحظى بأهمية فائقة لدى الامام الخميني، وكثيراً ماكان يؤكد سماحته على اهمية تصويت الشعب بكل حرية.

 

خامساً- الحريات المدنية

الحريات المدنية تشمل الحرية في اختيار المسكن ومكان الاقامة، والحرية في اختيار العمل، والحرية في تملك الاموال المنقولة وغير المنقولة. وقد نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان – البند الاول من المادة 13- على حرية الفرد في اختيار مكان إقامته . والاسلام يحترم هذا الحق ويقول الرسول الاكرم(ص) في هذا الصدد: (البلاد بلاد الله والعباد عبادالله، فحيثما أصبت خيراً فأقم.)(نهج الفصاحة، ص223) .

وتنص المادة 33 من دستور الجمهورية الاسلامية في ايران، على ممنوعية النفي عن مكان الاقامة، أو الحيلولة دون إقامة الفرد في المكان الذي يرغب فيه، او اجباره على الاقامة في مكان ما إلاّ في الحالات القانونية.

والاسلام يحترم حرية اختيار العمل والكسب، وقد نص القرآن المجيد على ذلك بالقول: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) (سورة الاعراف، الآية 10).

كذلك يحترم الاسلام حرية التملك ايضاً. وان كل شخص يمتلك حرية بالتصرف بامواله التي يحصل عليها عن طريق مشروع ولايحق لأحد بالتدخل في ذلك. وفي هذا الصدد يقول القرآن المجيد: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) (سورةالنساء،الآية32).

والامام الخميني يهتم كثيراً بهذا الجانب ويولي اهمية فائقة الى الحريات المدنية، حيث يقول:

(الحرية ليست موضوعاً ليكون لها تعريف. الناس احرار في معتقداتهم، ولايلزمهم أحد بالايمان بعقيدة ما. كما أنه لايستطيع احد إلزامك بسلوك طريق معين، أو انتخاب شئ محدد، ولاحتى الاقامة في مكان ما واختيار عمل بعينه. فالحرية أمر واضح وبيّن.)(صحيفةالامام،ج10،ص72).

وكما هو واضح أن الامام الخميني يؤكد هنا على حرية المسكن وحرية الشغل، و أن من حق كل شخص أن يختار مكان سكناه ونوعية شغله و الكسب الحر، ولايحق لأي كان أن يحرم الاشخاص من هذه الحريات أو لحد منها.

 

الاستنتاج

انطلاقاً من شمولية الاسلام، واستناداً الى مبدأ التوحيد وإرساء العدالة والحرية في المجتمع، فان النظام الاسلامي يحترم حرية الافراد بمختلف أشكالها و يهتم بها في حدود معقولة، آخذاً بنظر الاعتبار طبيعة الحياة الاجتماعية. ولهذا ينبغي أن تكون الحريات في اطارالقانون. أن الاختلاف بين النظام الاسلامي والانظمة الأخرى يكمن في أن الاسلام حرر الانسان من اي قيود معنوية واجتماعية، وألزمه بمراعاة الاحكام الالهية فحسب. أما بالنسبة للانظمة الأخرى فان القوانين الموضوعة تحدّ من الحريات التي هي وليدة فكر الانسان.

ويؤمن الامام الخميني بأن الحرية لها مفهوم واضح ولاتحتاج الى تعريف. والنظام  الاسلامي يحترم الحريات ويسمح لها في حدود القانون الالهي. وفي النظام الاسلامي يتمتع كافة الافراد بالحريات السياسية والعقيدية والفكرية والمدنية. وتتجلى حدود الحرية في الاحكام الاسلامية ومصلحة المجتمع وقوانين البلد. وفيما عدا ذلك لايحق لأحد مصادرة حرية الأفراد أو الحدّ منها.

 

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء