دور الاُسرة في تربية الطفل حسب رؤية الامام الخميني (قدس سره)
بقلم: طاهرة جاويدي
ان من اهم ما التفت اليه الامام (قدس سره)، موضوع الاسرة وتربية الاطفال. اننا، وفي الوقت الذي نطالع فيه ما تطرق اليه الامام، حول العائلة والتربية، نقوم بعرضها بالنظر لأسس واصول علم التربية والتعليم.
يقول الامام الخميني (قدس سره) في قسم من حديثه:
"ان صلاح اوفساد أي مجتمع ينشأ من صلاح وفساد نساء ذلك المجتمع، فالمرأة هي الموجود الوحيد الذي يمكن ان يقدم من حجرها أشخاصا الى المجتمع، تنال المجتمعات من بركاتهم وتحقق لنفسها الاستقامة والقيم الإنسانية العليا ويمكن ان يقع عكس ذلك."(صحيفة الامام، ج16، ص146)
مضيفاً في قسم آخر:
"المرأة مربيّة للإنسان. سعادة وشقاء الدول رهن وجود المرأة، فالمرأة بتربيتها الصحيحة تصنع الانسان، وبتربيتها الصحيحة تحيي المجتمع."(صحيفة الامام، ج7، ص251)
ان المستفاد من العبارات المذكورة، هو، اهمية وضرورة الاسرة بالنسبة لتربية الافراد. فالمرأة كعضوٍ من اعضاء الاسرة تقوم بدور هام في تربية الابناء، وحسب رؤية الامام (قدس سره) باستطاعتها ان تكون مصدر اصلاحات او فساد في المجتمعات، فالاسرة مسند ثبات المجتمع والقيم الانسانية الرفيعة.
قال سماحته ايضاً:
"ولو انتزعت النسوة البانيات للانسان من الأمة فان الأمة ستقع في هاوية الخسران والانحطاط."(صحيفة الامام، ج7، ص268)
للوقوف على اهمية وضرورة الموضوع وادراكها عن كثب، هو، تصور عدم وجودها وما يؤول اليه ذلك من عواقب!. في العبارة الاخيرة للامام الخميني (قدس سره) وبهدف الاشارة الى اخمية الاسرة في تربية الاطفال وعدم وجود العائلة او فصل الاطفال عنها.. بالفرض.. للوصول الى نتيجة هي انهيار وانحطاط الشعوب حسب رؤية الامام.
او في عبارة اخرى قال سماحته، انه نتيجة فصل الطفل عن العائلة يبعث على بروز عُقَد ومفاسد:
"يفصلوا الأطفال عن أحضان أمّهاتهم، والطفل إذا لم يكن في حجر أمّه في الصغر يتعقّد، وأكثر المفاسد من هذه العُقد التي يُبتلى بها الأطفال."(صحيفة الامام، ج8،ص254)
وفي مكان آخر، ذكر الامام الخميني (قدس سره) ان اهمية الاسرة في التربية اكبر منها في المراكز التعليمية الاخرى:
"حين يكون الأطفال في أحضان أمهاتهم يمكن تربيتهم وتعليمهم الأخلاق الكريمة أفضل بكثير مما يستطيع الأستاذ أن يعلمهم. فالحب الكامن في الطفل تجاه أمه لايضاهيه حب آخر، فما يسمعه الطفل أو يراه من أمه في طفولته يسكن قلبه ويرافقه طوال مسيرة حياته... من الممكن إذا ربت الأمّ ابنها خير تربية أن يكون ذلك الابن خير منجي لأمته ... أما رسالة كل أمّ فهي ذاتها ولكنها منحصرة في طفلها، وكذلك رسالة المعلم وكذلك الجامعة حيث تبدأ التربية من حضن الأم إلى المدرسة إلى الجامعة كل منهم يكمل الآخر، وإذا ما قام الجميع بمهامهم على خير ما يرام سنجد لدينا جيلًا كاملًا من الشباب يستطيعون أن يديروا شؤون البلاد وأن يقودوها إلى أعلى المراتب."(صحيفة الإمام، ج9، ص: 113)
اعرب الامام الخميني (قدس سره) خلال حديث آخر، عن اهمية الاسرة في تربية الاطفال، معتقداً ان حرفة تنشأة الاطفال بصورة صحيحة موازية لرسالة الانبياء (ع):
"إن أشرف الأعمال في العالم تربية الطفل، وتقديم إنسان إلى المجتمع. وهو ما كان وراء بعثة الأنبياء على مرّ التاريخ. فعلى مرّ التاريخ ومنذ آدم إلى خاتم الأنبياء، جاء الأنبياء لبناء الإنسان."(صحيفة الإمام، ج7، ص: 333)
بمطالعة حديث الامام الخميني (قدس سره)، نصل الى انه سماحته التفت بشكل مباشر الى طرق نفوذ الوالدين (الوراثة والمحيط) على الاطفال. قال سماحته:
"ان سائر الأنظمة غفلت عن العديد من الأمور، غير ان الإسلام لم يغفل عن أي شيء. اي الإسلام يتكفل بتربية الإنسان في مختلف الابعاد. يمتلك الاسلام بعداً مادياً يتناول البعد السلوكي للانسان، وفيه بعد معنوي يتناول الامور المعنوية ويتحدث عنها. ولديه ما هو اكثر من ذلك، فالاسلام يضع بين يدي الإنسان المسلم حين اقدامه على الزواج تعاليماً لبناء الانسان الذي سيولد من هذه الأسرة، فهو يوجه الرجل في انتخاب المرأة، ويوجه المرأة في انتخاب الرجل ويطالب بمعرفة الوضع الاخلاقي له ومعرفة مستوى تدينه وهكذا. ان الفلاح اذا اراد زراعة بذرة ما فان عليه ان يدرس وضع الأرض التي سيستخدمها وان يلاحظ كل الظروف التي تساهم في انبات هذه البذرة وحينما تنبت فانه يستمر برعايتها وملاحظة ما يفيدها ويقويها وما يضعفها كي يبعده عنها، ويستمر على ذلك حتى تؤتي النبتة أكلها.ان الإسلام يتعامل بهذا النحو مع بني الانسان، يتعامل كما يتعامل الفلاح الذي يريد ان يزرع نبتة ما ليستفيد منها. فالاسلام وقبل ان تبدأ الزراعة يعطي تعاليمه عن الأب والأم واحوالهما، اي انه يعطي تعاليمه عن الزواج، وهو يحرص على ذلك مخافة ما ستؤول اليه عواقب الأمر اذا كان احد الأبوين فاسداً مثلا أو ان ممارساته غير انسانية، فان الطفل الذي سيولد في مثل هذه الأسرة قد يتأثر نتيجة لقوانين الوراثة التي تقوم بدورها وتؤثر عليه. "(صحيفة الامام، ج6، ص 162)
قام الامام الخميني (قدس سره) وخلال عبارات عديدة بتوضيح الوراثة حسب رؤية الاسلام، وذكر انها احد الطرق المؤثرة على الطفل، وضرب مثلاً ملموساً بعرضه لذلك لعامة افراد الشعب، قائلاً:
الطريقة الاخرى التي تؤثر فيها الاسرة على الطفل، هي، محيط البيت. ففي المحيط المذكور، يتربّى الطفل بشكل غيرمباشر. ان الالتفات الى التربية العفوية تمتاز باهمية بالغة، لان ذلك يؤدّي الى تصرفات عند الطفل نافيه لتلك الاعمال، بغض النظر عن ارادة الوالدين او علمهم. في هذه الحالة يتوجب عليهما، اضافة الى الكلام، المساعدة بهداية الطفل بسلوكهم.
لم يحصر الامام الخميني (قدس سره) نظره في اطار (التربية عن عمد) فحسب وانما اشار الى سلوك الاطفال، العفوي في البيت ومايتعلمونه من الوالدين او اعضاء الاسرة الآخرين، قائلاً:
"إن هذا يبدأ من أحضانكن أيتها السيدات. فهذا الأمر يجب أن يبدأ من أحضانكن بأن تربين الأطفال تربية إسلامية سليمة. فإذا سمع الطفل وهو في أحضانكن ومعكن، وعينه وأذنه تتطلعان إلى أفعالكن وأقوالكن، سمع منكن كلمة كذب فينشأ كذاباً .. إذا شاهد أمه تكذب، ثم رأى أباه يكذب، فإنه سيصبح كذاباً وإذا راى أمه صالحة، وشاهد أباه رجلًا صالحاً، فإنه سيصبح صالحاً. "(صحيفة الامام،ج 7، ص216)
قال سماحته في مكان آخر:
"إن أول مدرسة للطفل هي حضن أمه، والأم الجيدة تربي طفلًا جيداً، وإذا كانت الأم منحرفة- لا سمح الله- فإن الطفل سيخرج من هذا الحضن منحرفا. "(صحيفة الامام،ج 7، ص215)
اشار سماحته في العبارات المذكورة اعلاه الى محيط البيت كعامل مؤثر في تربية الطفل، قائلاً:
"أسركم يجب أن تكون مدارس لتعليم أحكام الإسلام وتهذيب أخلاق الصغار. عليكم أن تُقدّموا صغاراً مهذبين إلى المعلمين، وعلى المعلمين أن يهذبوهم أكثر فأكثر." (صحيفة الامام،ج 7، ص123)
قال سماحته ايضاً:
"إن حضن الأم أفضل مدرسة للأولاد. إن عليكن مسؤولية تجاه أولادكن، عليكن مسؤولية تجاه بلدكن. وأنتن تستطيعن تربية أبناء يستطيعون إعمار بلد. أنتن تستطيعن تربية أبناء يمكنهم حراسة الأنبياء، حراسة آمال الأنبياء. "(صحيفة الامام،ج 7، ص360) ويشير في مكان آخر: "سعادة وشقاء الدول رهن وجود المرأة، فالمرأة بتربيتها الصحيحة تصنع الانسان، وبتربيتها الصحيحة تحيي المجتمع." (صحيفة الامام،ج 7، ص251)
نتيجة حديث الامام: حسب نظر الامام الخميني (قدس سره)، ان شخصية الاطفال تتكون في العائلة، حيث تقوم (اي العائلة) بدور محوري في تربيتهم.. ونتيجة انشطة الوالدين التربوية تُعطى ثمارها بشكل تام بالنسبة لشخصية الطفل، اي في الابعاد (الدينية، العاطفية، العلمية، الاجتماعية و...).