رمضان الکریم ... و الامام الخمیني( قدس سره)

رمضان الکریم ... و الامام الخمیني( قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم .

نحن و المسلمون في كافة انحاء العالم، على عتبة شهر الفضيلة و الغفران " شهررمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان ..." 185 البقرة .، لاداء ما امرنا به الله تعالى، و هو خير لنا و للقيام بفريضة من فرائض ديننا الحق، و استذكار ما مر علينا قبله و ما سيمر علينا بعده، و مراجعة سلوكياتنا بالنسبة لانفسنا اولا و للناس ثانيا . فهل كنا على ما اراده الله عز وجل لنا من خير و صلاح في الدنيا و الاخرة، ام اتخذنا مسارا مخلا للارادة الالهية ؟ .. او، هل ينظر الانسان الى نفسه و خلقته و (يغربل) ما في ذهنه من اوهام، و افكار و ميول شيطانية، ملقيا اياها جانبا الى الابد، متعهدا و ملتزما بعدم اتخاذها ثانية منهجا له ؟! ... فالعالم كما وصفه الامام الخميني (قدس سره)، محضر الله تعالى، حيث قال : العالم محضر الله، فلا تعصوا الله في محضره .  العودة، اذن، الى رمضان الفضيل و الانتفاضة على النفس الامارة ... شرط من شروط الدخول فيه . فقد ذكر سماحته ( قدس سره) انه" و طبقا للروايات فان اعمالكم تعرض على رسول الله صلى الله عليه و اله، فاذا كنتم ترتكبون المعاصي، فكم سیؤذي ذلك رسول الله (ص) ؟ فاذا وددتم عدم ايذاء رسول الله (ص)، لا تكدروا قلبه المبارك."

"ان شاء الله تدخلون شهر رمضان المبارك بسلامة نفس وتجدون انفسكم فيه في ضيافة الله تبارك وتعالى وترون الله مضيفكم الحاضر. ولو اردتم التجاسر- لاسمح الله- على احد فلتفهموا انكم انما تتجاسرون على عبد الله في محضر الله، واذا استغبتم احد المؤمنين فلتعلموا بانكم تستغيبونه في محضر الله. وطبقاً للروايات فان اعمالكم تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاذا كنتم ترتكبون المعاصي فكم سيؤذي ذلك رسول الله؟ فاذا وددتم عدم ايذاء رسول الله لا تكدروا قلبه المبارك.

لو ان صفحة اعمالكم عرضت على رسول الله ورأى حضرته انها مليئة بالغيبة والتهمة والسب وامثال ذلك ورأى ان قلوبكم التي يطلع عليها هو أيضاً ميالة للدنيا وراى ان الاخلاق اخلاق فاسدة أيضاً وراى البغض والحسد والحقد وسوء الظن بالآخرين، لو راى كل ذلك فلعله سيشعر بالخجل امام الملائكة وامام الله تبارك وتعالى من ان هذا الشخص هو من اتباعه ومن شيعته ومن امته.

لو ان الإنسان رأى سوءاً من احد المحسوبين عليه كأخيه او ابنه او أحد اقاربه او حتى خادمه، فانه سيشعر بالخجل امام الناس. انتم أيضاً مرتبطون برسول الله، انتم بمجيئكم الى هذه الحوزات ربطتم انفسكم بفقه الاسلام وربطتم انفسكم برسول الله وبالقرآن لذا فان الامر قد يسوء رسول الله اذا صدر من احدكم عملًا سيئاً ويمكن ان يؤدي ذلك احياناً- لاسمح الله- الى ان يلعننا الرسول بدلًا من الدعاء لنا.

ان شاء الله تتمكنون من تعويض ذلك في شهر رمضان، تتمكنون من تعويض ما قد يكون صدر منكم امثال ذلك، اذا كنتم قد ارتكبتم ذنباً- لا سمح الله- فتوبوا الى الله تعالى قبل ولوج شهر رمضان وارجعوا عنه، واعلموا ان المهالك كثيرة، اعلموا ان العديد من المواضع التي ندخلها فيها الكثير من المخاطر التي تحف بنا.

ان شاء الله ستدخلون شهر رمضان بسلامة وبنفس طاهرة ونقية وتؤدون تكاليف شهر رمضان في هذا الشهر.

اسأل الله ان يمنَّ عليكم جميعاً بالتوفيق وان يجعلكم من العلماء العاملين وان يمنَّ عليكم بالتهذيب ويجعلكم مهذبين للمجتمع وان يدفع عنكم البلايا." (صحيفة الامام، ج2، ص 362)

فالمعصية، خاصة في هذا الشهر، هي اولا معصية الله جل جلاله و من ثم معصية الرسول (ص) و ايذائه، لان الاعمال تعرض عليه . لا اعتقد ان الشخص الذي يقوم بسلوكيات منافية لرمضان الفضيل، لا يدرك ما يتصرف به ! لكنه قد قفل بيديه على قلبه، و غض بصره عن ذلك ! املا بعد مدة مديدة، ان يغفر الله تعالى ذنوبا ارتكبها و هو عالم انها معاص ! ... " فان الامر قد يسوء رسول الله (ص)، اذا صدر من احدكم عملا سيئا، و يمكن ان یؤدي ذلك احيانا، لا سمح الله، الى ان يلعننا الرسول (ص)، بدلا من الدعاء لنا ! " ... كما ذكر الامام الخميني (قدس سره) . "حدثت في شهر رمضان المبارك قضية تبقى ماهيتها وأبعادها غامضة بالنسبة لنا إلى الأبد ألا وهي نزول القرآن. نزول القرآن على قلب رسول الله في ليلة القدر. فما هي قضية نزول القرآن، وكيفية نزول الروح الأمين على قلب النبي الأكرم من قبل الله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر)؟ ما هي كيفية هذا النزول على قلب الرسول في ليلة القدر؟. لا بد لي من القول أن هذه القضية تبقى غامضة ومبهمة بالنسبة للجميع فيما عدا الرسول الأكرم والذين نشؤوا في احضانه وكانوا موضع ألطاف الله تبارك وتعالى والعناية الخاصة للنبي محمد.

كيف نزل الروح الأمين بالقرآن على قلب رسول الله؟ وما هي ليلة القدر؟ هذه قضايا تبدو في الوهلة الأولى موضوعات بسيطة وربما تناولها البعض بالبحث والتمحيص، ولكن أقول لكم إن كيفية نزول القرآن تبقى غامضة بالنسبة لأمثالنا. تبقى كيفية نزول ملائكة الله تعالى في ليلة القدر وماهية ليلة القدر غامضة ومبهمة بالنسبة لأمثالنا          . 

ما هي هذه الدعوة التي وجهها الله تبارك وتعالى، حيث يقول الرسول الأكرم: قد دعيتم إلى ضيافة الله. ما هي هذه الضيافة، ومن الذي قبلها، وما هي مقدمات قبول هذه الدعوة وهذه الضيافة؟

لا بد لي من القول إن أحداً لم يجب هذه الضيافة التي دعا إليها الله تبارك وتعالى بالنحو الذي ينبغي تلبيتها عدا الرسول الأكرم- صلى الله عليه وآله وسلم-. فالدعوة لها درجات، والتلبية لها درجات أيضاً. وان المقدمات والرياضات التي قام بها رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- انتهت باستضافته من قبل الله تبارك وتعالى بنزول القرآن. القرآن هو النعمة التي تحققت لدى استضافة رسول الله. النعمة التي كان يتمتع بها النبي الأكرم على تلك المائدة المبسوطة منذ الأزل وحتى الأبد. أما المقدمات فهي الرياضات المعنوية التي قام بها على مدى سنوات طويلة حتى اوصلته إلى مرتبة استحق بها هذه الضيافة. والمهم في هذا الأمر هو الإعراض عن الدنيا. ‏

إن الذي يقود الإنسان إلى ضيافة الله هو التخلي عما عدا الله، ومثل هذا غير متيسر لكل إنسان بل تيسر لأناس معدودين في طليعتهم رسول الله .. إن التوجه القلبي لمبدأ النور والإعراض عما وراء الله، هو الذي جعل من النبي الأكرم مستحقاً لضيافة الله ولنزول القرآن على قلبه مرة واحدة وبسهولة. وان أحد احتمالات الليلة المباركة بنية الرسول الأكرم نفسه التي هي مشكاة نور الله. كما أن ثمة احتمالات أخرى. المهم إدراك هذا المعنى وهو أن مراتب كمالات الإنسان للولوج إلى ضيافة الله، كثيرة ويجب البدء بالمقدمات. ومن هذه المقدمات أن لا يكون هناك توجه لغير الله، وعدم رؤية غير الله، والتخلي عن كل شي‏ء غيره جلّ وعلا." (صحيفة الامام، ج17، ص396).

 فالانسان بشكل عام، هو الموجود الوحيد، ذي الشعور و الفطنة و التفكر، و هو (اشرف المخلوقات) بين كل ما دب و هب في الكرة التي نعيش فيها ... الارض . فهل يدرك هذا (الاشرف)، ان كل ما اراده الله عز و جل له، هو خير و عاقبة خير، و نزاهة و عزة و حياة راضية مرضية ؟ ...فما معنى انحرافه، اذن، عن المسار الحق، و الصراط المستقيم، الذي خطه الباري تعالى له، و بعث الانبياء (ع) في كل حدب و صوب لهدايته و ايصال المضامين الالهية اليه؟ ... انه يواجه الشيطان الرجيم الذي يوسوس و ياتيه من بين يديه و من امامه و خلفه، كل ساعة بل و كل لحظة ... فمن استطاع ثباتا باطاعة الله تعالى و الرسول (ص)، دخل في الرحمة الالهية، و من اطاع الشيطان، فهو في مهب الريح و من الخاسرين اعمالا، دنيا و اخرة . قال الامام الخميني ( قدس سره) في ذلك " اعلموا ان العديد من المواضع التي ندخلها، فيها الكثير من المخاطر التي تحف بنا "

"من الممكن أن هذا الشهر إنما صار مباركاً لأنَّ الولي الأعظم أعني رسول الله (ص) قد وصل، وبعد وصوله نزل الملائكة والقرآن، وبقدرة الوليّ الأعظم ينزل القرآن والملائكة، والوليّ‏ الأعظم يصل إلى حقيقة القرآن في هذا الشهر المبارك وفي ليلة القدر منه، وبعد وصوله يتنزّل القرآن بواسطة الملائكة بالمقدار الذي يخاطب به الناس، فالقرآن ليس من مستوانا ليس من مستوى البشر، والقرآن سر بين الحق والوليّ الأعظم الذي هو رسول الله وهو ينزل متتالياً حتى يصل إلى الحد الذي يظهر فيه بصورة حروف وكلمات مكتوبة فيؤلف كتاباً بحيث نستفيد منه نحن لكن استفادتنا غير تامة، ولو أننا نعلم سرّ ليلة القدر وسرّ نزول الملائكة فيها وهو علم ينفرد به وليّ الله الأعظم حضرة صاحب الزمان (عج) لسهلت كل مشاكلنا، فكل مشاكلنا ناشئة عن كوننا محجوبين عن مشاهدة الحقيقة كما هي ونظام الوجود كما هو. إننا نتصوّر أنَّ الحياة هنا شئ وعدمها نقص، في حين أنَّ الحياة هي خلاصة تلك الحقيقة الآتية من عالم الغيب، وأنَّ الموت- إن كان موتاً انسانياً- هو الرجوع إلى المرتبة الأولى، والمراتب والشؤون مختلفة بالطبع. إننا نأمل أن ننال نصيباً من فيض هذا الشهر المبارك وفيض العيد المبارك- الذي هو عيد الوصال- لنتمكن من الخروج من هذه المشكلات النازلة بنا مرفوعي الرؤوس." (صحيفة الامام، ج19، ص254)

اللهم وفقنا لمراضيك، وصيام شهرك الفضيل، و نزع الاغلال من انفسنا و اعناقنا، و الغفران، و العودة اليك بكل ما تعنيه الكلمة .

د. سيد حمود خواسته _ القسم العربي.

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء