الغائب الحاضر

الغائب الحاضر

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن للمرء بد من الكلام وسرد ما يكنه فواده، مما قرا وسمع، حول حدث عظيم قد يهز العالم قريبا، بما ياتي به وينشره، منذرا ومبشرا، فقد امتلات الدنيا او تكاد، بظلم وجور لا مثيل له على امتداد التاريخ ! على ايد بايعت الشيطان، واقسمت على ابادة الانسانية، تحت غطاء ما يسمى بالتمدن والحضارة ! وحرية الانسان ... وحقوق الانسان ! ... وطغمة تتربع على جماجم الذين اغتصبت ارضهم ولم ترحم حتى الاطفال، الذين بقوا في ايام طفولتهم، وابتساماتهم وضحكاتهم، واصواتهم الصاخبة، ومشاجراتهم فيما بينهم ! ... هذه الطغمة تعاونها وتساندها اخرى مثلها بشكل اخر، متقمصة بلباس الدين، وتعاليم مرسلين كموسى وعيسى (ع) ولازالت تعبد الطريق وتحرسه، لصبيان الشيطان وطواغيت العصر، وقد سبق لها، ان قسمت الجنة ! وباعتها باثمان شتى، حسب ما يستطيع ان يدفعه الشخص، وقبضت الثمن، مانحة اياهم وثائق اطلقت عليها اسم (صكوك الغفران) ! ... كان ذلك في القرون الوسطى، التي يتشدقون بان كل ما فيها قد ولى واندثر ! وهي لا تزال باقية، سارية بصورة اخرى ! فهل جاء النبي الكريم عيسى (ع) بما فعلوه ويفعلوه ؟! وهل كانت تعاليم النبي الكريم موسى (ع)، تجيز لشرذمة من الاراذل وشذاذ الافاق، اغتصاب ارض الاخرين وهم موحدون، وابادة الحرث والنسل، بادعاء ان ذلك جاء في التوراة ؟! وما هي الا خرافات واساطير نسجتها ادمغة حاخامات صهاينة، يدعمهم قساوسة ورهبان متصهينون ! فهل يا ترى، يترك الله تعالى العالم بما فيه، وهو خالقه وموجده، دون حجة له عز وجل، لينتشل الانسانية جمعاء، من مستنقع سحيق مترامي الاطراف، يتوارد الناس عليه باقدامهم للانغماس فيه ؟! وهم يعلمون ان الله جل جلاله، انذرهم منه ومما يدفعهم اليه، برسول ونبي، هو اشرف الرسل والانبياء، بل، واكمل واعظم مما دب على الارض من ابناء ادم (ع)، وما تحمل (ص) وال بيته الطاهرين (ع) في هذا الطريق، كاف لردع الانسان المغتر بنفسه، واعتراضه للولوج في مستنقع الانحراف والماديات، وقد توالت الانظمة المستبدة، بما حملته ولا زالت، من ابشع اعتدة الاجرام وسفك الدماء وانتهاك الحرمات، وما نالت من مقومات الاسلام، رغم مساعيها الحثيثة، شيئا ! ...   قامت بابتداع (الوهابية) في الاراضي المقدسة، و(البهائية) في ارض المحبين والموالين لاهل البيت (ع)، وما حصدت غير الخيبة والياس . فالوهابية، اليوم، تتراجع وتنحسر حتى في عقر دارها، والبهائية، بعد تلقيها صفعات متتالية، مهلكة، حزمت امتعتها ولاذت بالفرار، مستغيثة بالكيان الصهيوني الذي هو (اوهن من بيت العنكبوت) ! والذي جعلت منه مقرا ومركزا قبل ذلك . وها هو الامام المنتظر (ع) الذي ناصبته العداء، باق، خالد وهو قادم لا محالة، للانقضاض على كل ظالم، ومريد للشيطان، وهو الذي يملا الدنيا عدلا، مساواة ونعم يسبغها الله تعالى على الانسانية، باطلالته، وطلعته البهية . هو الامام المهدي (ع) محمد بن الحسن (ع)، المولود سنة 255 للهجرة . بدا الامامة بعد وفاة والده الحسن العسكري (ع) سنة 260 للهجرة، ولم يطلع احد على ولادته، الا القليل من خواص الامام العسكري (ع)، مما ادى الى ارتياب الشيعة، وانقسامهم الى فرق شتى، حيث اتبع قسم منهم عم الامام المهدي (ع)، جعفر الكذاب .(1)، وخلال تلاطم الامواج، وفي هذا الخضم المظلم، كان للامام المهدي (ع)، ونوابه الاربعة، في عصر الغيبة الصغرى، دور هام في هداية المسلمين وخاصة الشيعة، نحو المسار الصحيح، وتعريفهم بالحقيقة عن طريق ما كان يصدره (ع) ويبلغه نوابه لايصاله الى الناس، وابعاد الشبهات عنهم، مما اسهم في رص الصفوف ورتق الفتق وانهاء الانشعابات، وسار على هذا المنوال حتى بدات الغيبة الكبرى عام 329 للهجرة ولا تزال . ان المتتبع لما نطق به الائمة الاطهار (ع) في هذا الصدد، يرى بوضوح لا لبس فيه، انهيار الظلم والاضطهاد، وعلو كلمة الله تعالى وهي العليا . فقد قال امير المؤمنين (ع)، من جملة ما اخبر عنه من الملاحم: " الا في غد ... وسياتي غد بما لا تعرفون، ياخذ الوالي من غيرها عمالها، على مساوئ اعمالها، وتخرج الارض افاليذ كبدها، وتلقي اليه سلم مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنة ." (2)، وقال عليه السلام ايضا، مخاطبا كميل: " يا كميل ما من علم الا وانا افتحه، وما من سر الا والقائم (ع) يختمه ... يا كميل، لا بد لماضيكم من اوبة، ولا بد لنا فيكم من غلبة ... " . (3) ... كان ذلك قول الامام علي (ع) فيه، وللامام الحسن (ع) حديث في المهدي (ع)، بعد الصلح مع معاوية، حينما دخل عليه الناس، وقد لامه البعض على ما قام به، قال (ع): " ... اما علمتم انه ما منا من احد الا و(تقع) في عنقه بيعة لطاغية زمانه، الا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فانه يخفي ولادته ويغيب خفية، لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة اذا خرج ... " (4)، ولسيد الشهدا ء (ع)، كذلك، كلام يبشر فيه بالقائم (ع)، قائلا: " دخلت على جدي رسول الله (ص)، فاجلسني على فخذه وقال لي: ان الله اختار من صلبك يا حسين تسعة ائمة، تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء . " (5)، واضاف (ع): " لصاحب هذا الامر غيبتان، احداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم قتل، وبعضهم ذهب، ولا يطلع على موضعه احد، من ولي ولا غيره، الا المولى الذي يلي امره . " (6) . .. فهل بعد ذلك ريبة في قيامه وبسطه القسط، على كافة انحاء المعمورة، التي تغطيها الظلمات من كل حدب وصوب ؟ اللهم الا الذين عميت بصائرهم قبل ابصارهم ف " ... هم في غفلة معرضون .." (7) ... وهذا الامام الخميني (قدس سره) وهو محيي ومجدد، ما تعرض له الاسلام، على ايدي زمرة من الطواغيت وازلامهم، واخرهم شرذمة الحكم البهلوي المقبور، يتطرق الى المهدي (ع) قائلا: " ... قضية غيبة صاحب العصر، قضية مهمة نفهم من خلالها العديد من المسائل ومنها: ان الله لم يدخر انسانا ينهض بهذا العمل الجبار، في بسط العدل بمعناه الحقيقي، في كل المعمورة، الا المهدي سلام الله عليه .( 8)، وقال سماحته، ايضا: " علينا نحن الذين ننتظر ذلك اليوم، ان نسعى لاحقاق الحق، وان نجعل قانون العدل الالهي، هو القانون الذي يحكم هذه البلاد، بلاد ولي العصر والزمان، عجل الله تعالى فرجه ."  (9) ...

فالغائب الحاضر، هو الحاضر القادم، باذن الله المتعال، الذي ينتظره كل مظلوم ومستضعف، بغض النظر عن مشربه وما يعتقد به، فهو امام المحرومين كافة وفي العالم كافة، وما يتوجب علينا، هو تمهيد الطريق لقدومه الميمون، وتذليل العقبات امام خطواته الحكيمة الراسخة، وليس كما يعتقد البعض، اتاحة الفرصة للبدع، الانحراف، التضليل، الفساد الاخلاقي والاجتماعي، ليعم الظلم والجور ويملا الكرة الارضية باكملها، حتى ياتي القائم (ع) ! زعم باطل، وسحر ينقلب على الساحر عاجلا او اجلا ! ... اما المسلمون ولاسيما اخواننا اهل الجماعة والسنة، فالغالبية منهم تعتقد بالامام المهدي (ع) وبظهوره، رغم اراء للبعض منهم بانه يولد في اخر الزمان، وهو من نسل النبي (ص)، وهو المنجي، وقسم منهم يرون انه نجل الامام الحسن العسكري (ع) ک: سبط بن الجوزي وابن طلحة الشافعي. (10)، اضافة الى روايات واحاديث كثيرة غطت صفحات الكتب، منها:  _ التوراة، اشعيا النبي، الفصل 11: " يحكم في المساكين بالعدالة، ونفعا لمظلومي الارض "، _ العهد العتيق، كتاب المزامير، المزمور 37: " لانه قد تنقطع الجريمة، ولكن من ينتظر الله تعالى، هو وارث الارض . " ... لا يخفى على احد، ان في ذلك اشارة الى الاية الشريفة: " ... ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ."  (11)، وكذلك اشارة الى الاية الكريمة، فيما جاء في الزبور: " ... ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون ."  (12) ... _ انجيل لوقا، الفصل 12: " شدوا اظهركم، اسرجوا المصابيح، وكونوا مثل الذين ينتظرون سيدهم متى يرجع من محفل العرس حتى يفتحوا له الباب، عند مجيئه وطرقه الباب . "، ودونك هذا الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي (ص) : افضل العبادة انتظار الفرج (13). فاية عبادة هي افضل واجل من ذلك ؟ ... ان تنتظر تعجيل الفرج، واطلالة وبزوغ شمس العدالة والوئام، وان تقف مرحبا ومستقبلا لغائب، لم يغب عن بالك قط، وهو حاضر في جوارحك وجوانحك، وحي لا انقطاع لتواجده بيننا، وما انكره الا الضالون الخائبون، وهم يعلمون انه الحق، فاذا جاء زهق الباطل " ... ان الباطل كان زهوقا ."  (14)، فكثرة ما ورد حول المهدي(ع)، ومن صدق به وامن بمجيئه، لا تدع للريب مجالا، فقد اورد احد المفكرين والباحثين المعاصرين، وهو محمد بن احمد بن اسماعيل، في كتابه (المهدي حقيقة لا خرافة)، اسماء 31 من الصحابة الذين رووا احاديث المهدي (ع)، و38 من العلماء الذين نقلوا هذه الاحاديث في كتبهم، و63 من العلماء الذين بينوا الاحاديث المذكورة بين الصحيح والحسن، و31 من العلماء الذين الفوا كتبا مستقلة في هذا المجال، و17 من علماء اهل السنة، من بداية القرن الخامس الى اخر القرن الثالث عشر الهجري، كتبوا ورووا عن القائم (ع)، منهم: الحاكم النيسابوري، المتوفي سنة 405 للهجرة، في كتابه، المستدرك على الصحيحين، ومن بين ما ذكره: انه من اهل بيت النبي (ص)، ومن ابناء فاطمة (ع)، وهو الذي يملا الارض قسطا وعدلا . وابن طولون من علماء القرن العاشر الهجري، المتوفي سنة 953 للهجرة، الذي تطرق للمهدي (ع) في كتابه (الائمة الاثناعشر) قائلا: وثاني عشرهم ابنه _ يعني ابن الحسن العسكري (ع)  _ محمد بن الحسن .  وعبد الوهاب الشعراني المتوفي عام 973 للهجرة، حيث ذكر في كتابه (اليواقيت والجواهر، في بيان عقائد الاكابر)، ان المهدي (ع) من ابناء الامام الحسن العسكري (ع)، مضيفا: ان ولادته ليلة النصف من شعبان سنة 255 للهجرة . لقد اثبت الفريقان (الشيعة والسنة) في مصادرهم وكتبهم ومستنداتهم، بما فيه ارتواء الظمان الى الحقيقة والحق بصورة كاملة . من ذلك: الصدوق في (عيون اخبار الرضا)، وابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب)، وابن حجر الهيثمي في (الفتاوي الحديثة)، والطبراني في (المعجم الاوسط)، والطبرسي في (مجمع البيان في تفسير القران)، وابن خلكان في (وفيات الاعيان)، والطوسي في (الغيبة)، وابن قيم الجوزي في (المنار المنيف ....)، وابن ماجة في (سنن ابن ماجة)، والفيروزابادي في (فضائل الخمسة ...)، والقرشي باقر شريف في (حياة الامام المهدي _ ع _)، والكليني في (الكافي) وغيرهم ... فيا ايها الغائب الحاضر، والحاضر الغائب ...

عجل فديتك اننا غرباء

یا سیدي وقلوبنا رمضاء

عجل فجمر الظلم ینهش دربنا

متوحش انیابه حمراء

عجل فقد ظما الحسام لضربة

علوية ولها النفوس ظماء

لتفجر الدنيا بزلزال الهدى

و يقام يوم الحشر وهو جزاء . (15) .

________

1_ سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص . قال في المهدي (ع): هو الحجة، صاحب الزمان القائم .

2_ الخطبة 138، نهج البلاغة .

3_ بشارة المصطفى، 24_ 31 .

4_ معجم احاديث الامام المهدي (ع)، 3_ 165.

5_ موسوعة كلمات الامام الحسين (ع)، 659، عن ينابيع المودة، 590.

6_ المصدر السابق عن عقد الدرر، 134.

7_ الاية 1، الانبياء .

8_ صحيفة الامام العربية، ج 12، 384_ 385.

9_ نفس المصدر، ج14، 370_371.

10_ ابن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب ال الرسول .

11_ الاية 5، القصص .

12_ الاية 105، الانبياء .

13_ السنن، الترمذي، ج5، 528، كتاب الدعوات، باب 16.

14_ الاية 81، الاسراء .

15_ الشاعر محمد عباس الدراجي، موقع مؤسسة السبطين العالمية . _

________

د . سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره).

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء