الكتابة عن شخصية كالنبي الأكرم (ص)، افضل ما يمكن ان يخطه قلم وتنساب به أنامل احد، مهما كان مشربه واتجاهه، بل وأصعب من ذلك كله، ليس في عصرنا هذا الذي نعيش فيه، وتحيطنا ما نريد من وسائل التدوين، التصوير، الاستماع والنشر، بل ومنذ اللحظات الأولى، التي قام بها شريف مكة وقريش على الإطلاق، عبد المطلب بن هاشم، بفداء كبير لاصغر وآخر أبنائه عبد الله، للوفاء بنذره، ومن ثم ميلاد النبي الاعظم (ص)، وتسميته باسم لم يكن بين الاسماء آنذاك، وما حدث ليلة الميلاد. فقد جاء عن رسول الله (ص) انه قال : انا ابن الذبيحين. (١). فالذبيح الأول هو اسماعيل (ع)، والذبيح الثاني، عبد الله، والد النبي الأكرم (ص)، وقصة ذلك معروفة ومنقولة في كتب الفريقين. روى البيهقي عن أبي الحسن التنوخي، انه لما كان يوم السابع من ولادة رسول الله (ص)، ذبح عنه جده ودعا قريشا، فلما أكلوا قالوا : يا عبد المطلب ما سميته ؟ قال : سميته محمدا. قالوا : لم رغبت عن اسماء أهل بيته؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض. (٢)، فقد ولد (ص) في فترة امتدت ستمائة عام، منذ عهد نبي الله عيسى (ع)، حيث روى البخاري، بسنده عن سلمان الفارسي (رض) : فترة بين عيسى ومحمد (ص) ستمائة سنة. (٣)، ووقعت أحداث آنذاك منها : تساقط الاصنام في الكعبة على وجوهها، انكسار ايوان كسرى وانطفاء نيران فارس التي لم تخمد قبل ذلك بالف عام وجفاف بحيرة ساوه. (٤) ... ان المتتبع لما حدث ودار في تلك البرهة المظلمة من الزمن وبعدها، وخلال حياة الهادي النذير (ص)، يرى بوضوح تام، ان ما قام به (ص) لا يمكن، بتاتا، مقايسته او البحث عن مثيل له ابدا، ولو اجتمعت الانس والجن على ذلك، ولا يستطاع حصر جزء منه في مدونة متواضعة كهذه ! فلا الفكر مهما اتسع وانبسط، ولا العقل الكامل، السالم، يرتقيان إلى درجة واحدة فقط، من سلم شخصية قال الله تعالى فيها : "... وانك لعلى خلق عظيم ." (٥) ... وقال عظماء المفكرين فيها، أجمل وأوفى مما نطقوا به. فهذا تولستوي، الفيلسوف والمفكر الروسي الكبير، قال : " محمد (ص) لم يقل عن نفسه انه نبي الله الوحيد، بل اعتقد أيضا بنبوة موسى والمسيح. وفي سني دعوة محمد (ص) الأولى، احتمل كثيرا من أصحاب الديانات القديمة شأن كل نبي قبله. نادى أمته إلى الحق، ولكن هذه الاضطهادات لم تثن عزمه، بل ثابر على دعوة أمته. (٦)، وقال في الرعيل الأول من الصحابة والمسلمين : " ... حقيقة ان المسلمين اشتهروا في صدر الإسلام، بالزهد في الديانة الباطلة، وطهارة السيرة والاستقامة والنزاهة، حتى ادهشوا المحيطين بهم، بما هم عليه من مرام الأخلاق ولين العريكة والوداعة. " (٧)، وغوتة، الشاعر والمفكر الألماني الشهير، أعرب في قصيدة له، في الثانية والعشرين من عمره، أسماها ( ترتيلة محمد )، عن مشاعره، قائلا :
انظروا إلى نبع الصخور
لماعا من الابتهاج
كومضات النجوم !
و من فوق الغيوم
ملائكة اخيار
تغذي عنفوانه بين الصخور في الادغال.
****
و في تدفق مسيرته الظافرة
يعطي البلدان أسماءها
و المدن تصبح تحت موطئ قدمه
****
و آلاف البيارق الخفاقة المرفرفة
عبر النسائم فوق رأسه
إشارات عظمته. (٨). وهذا ارنست رينان، الفيلسوف الفرنسي الكبير، ذكر انه : " لم يعتر القرآن اي تبديل او تحريف، وعندما تستمع إلى آياته، تأخذك (رجفة) الإعجاب والحب، وبعد ان تتوغل في دراسة روح التشريع فيه، لم يسعك الا ان تعظم هذا الكتاب العلوي وتقدسه ." (٩)، وهو الذي نزل على الرسول الاعظم (ص). وتطرق المفكر الأمريكي، مايكل هارت، إلى رسول الله (ص) قائلا : " هو الإنسان الوحيد في التاريخ البشري، الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي. " (١٠)، وجورج برناردشو، المفكر والفيلسوف الانجليزي المعروف : " ... اعتقد ان رجلا كمحمد (ص) لو تسلم زمام الحكم في العالم باجمعه، لتم النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه، يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة. " (١١). والدكتور شبلي شميل، المسيحي : " ان محمدا (ص) اكمل البشر من الغابرين والحاضرين، ولا يتصور مثله في الآتییین. " (١٢). وكارل ماركس، المفكر الألماني الشهير، ومؤلف كتاب (رأس المال)، والممهد للنظرية الاشتراكية : " افتتح ( النبي محمد ص) برسالته عصرا للعلم والمعرفة، وتم تدوين أقواله بطريقة علمية خاصة، وسعى بكل قوة إلى محو ما كان متراكما من قبل، من عمليات التبديل والتحوير في الاديان. " (١٣). .. هذا غيض من فيض مما قالوا فيه (ص) ... وهو أعظم، اكبر وارفع بكثير من ذلك. وتتهادى القوافي لتصبح بما يمكنها حوله (ص). فعلي أمير المؤمنين (ع) :
قد طال شوقي للنبي محمد
فمتى إلى
ذاك المقام وصول
و لقد فنى صبري وزاد تشوقي
نحو الحبيب وما اليه سبيل
هذا رسول الله صفوة خلقه
هذا الرسول إلى الجنان دليل. (١٤). وإليك حسان بن ثابت قائلا :
بطيبة رسم للرسول ومعهد
منير، وقد تعفو الرسوم وتهمد
و لا تمتحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد. (١٥)
و الشافعي :
من مثلكم لرسول الله ينتسب
ليت الملوك لها من جدكم نسب
ما للسلاطين احساب بجانبكم
هذا هو الشرف المعروف والحسب
****
اصل هو الجوهر المكنون ما لعبت
به الأكف ولا حاقت به الريب
خير النبيين لم يذكر على شفة
الا وصلت عليه العجم والعرب. (١٦)، وابنة عم الرسول (ص)، صفية بنت عبد المطلب، راثية :
الا يا رسول الله كنت رجاءنا
و كنت بنا برا ولم تك جافيا
****
صبرت وبلغت الرسالة صادقا
و مت صليب الدين ابلج صافيا. (١٧). وابو العتاهية ناعيا :
جزى الله عنا كل خير محمدا
فقد كان مهديا، دليلا وهاديا
و كان رسول الله روحا ورحمة
ونورا وبرهانا من الله باديا. (١٨). والشاعر السوري، المسيحي ميخائيل ويردي :
و المصطفى خالد في الناس ما بزغت
ام النجوم، وممدوح بكل فم
أحببت دينك لما قلت: أكرمكم
اتقاكم، وتركت الحكم للحكم
و قلت اني هدى للعالمين ولم
تلجأ إلى العنف، بل اقنعت بالكلم. (١٩). ... فما ادري ما اقول فيه، وفي كل كلمة، بل وفي كل حرف نطق به (ص)، وانا دون ذلك بكثير. .. فهي عبارات جرى بها القلم، معبرة عما أكنه، ومختتما بما قاله الإمام الخميني (قده)، وهو الذي اتخذ (ص) نبراسا له، في كافة مراحل حياته الشريفة، خاصة خلال انبثاق وانتصار الثورة الإسلامية المظفرة، التي أعادت إلى الواجهة الدين الإسلامي الأصيل، كما كان. ... قال : " ... نلاحظ ان نبي الإسلام، الذي هو أفضل بني البشر، واكبر نموذج للانسان الكامل، يتواضع للعامل إلى درجة انه يقبل كفه، حيث الدلالة على العمل، فليس من العبث ان يقبل باطن الكف لا ظهره. فباطن الكف يحمل آثار العمل. فهو يريد أن يعلن للعالم قيمة العمل، ويعلن للمسلمين ان هذه هي قيمة العمل. " (٢٠). وقال (قده) أيضا : " لقد كان نبي الإسلام وأئمته وعلماؤه دائما، في نزاع مع سلاطين عصرهم. " (٢١).
ان مسار الثورة الإسلامية الذي رسمه الإمام الخميني (قده)، وسار عليه خليفته القائد المعظم، يبرهن على استمرار الرسالة المحمدية الأصيلة، منذ ظهورها وبقائها، بإذن الله تعالى، إلى يوم الدين، وما يقوم به عدد من الطائفين حول موائد الاستكبار العالمي، ولا سيما الشيطان الأكبر، ونباحهم واستنباحهم طلبا للنصرة، الا مصداق للاية الشريفة : " يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " (٢٢). ...
عليك منا يا من ارسلت رحمة للعالمين، يوم ولدت، وعشت، وارتحلت عنا، ويوم تبعث حيا ... الف تحية وسلام، ما بقي الليل والنهار.
----------------------
1- عيون الاخبار، ص ١١٧، وخصال الصدوق ص ٥٦_٥٨، ومفاتيح الغيب لفخر الرازي، ٧، ص ١٥٥ .
2- موقع اسلام وب .
3- صحيح البخاري، ٥/٧١، كتاب مناقب الأنصار، باب اسلام سلمان الفارسي، رقم الحديث ٣٩٤٨ .
4- موقع اليوم السابع.
٥- الآية ٤، القلم .
6- تولستوي، حكم النبي محمد (ص)، ص٩، دراسة، تقديم وتعليق د. محمود النجيري .
7- المصدر السابق ص١٠ .
8- موقع بينات، الموقع الرسمي لمؤسسة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، لبنان. تعريب القصيدة : بهجت عباس .
9- إذاعة القرآن الكريم، نابلس، لبنان .
10- في كتابه الشهير : الخالدون مائة، واعظمهم محمد (ص). دار الهلال .
11- مجموعة مواقع مداد العلمية، الشرعية الثقافية .
12- المصدر السابق .
13- سبوتنيك العربية وإذاعة القرآن الكريم، نابلس، لبنان .
14و15و16 موسوعة اقرأ.
17- موسوعة المرسال .
18- موسوعة ملتقى أهل اللغة .
19- دار الهلال .
20- صحيفة الإمام العربية ج١٦، ص١٧٨ .
21- المصدر السابق، ج٤، ص٦٩ .
22- الآية ٨، الصف.
----------------
د. سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية.