بمناسبة شهادة الامامين الهمامين، الحسن المجتبى والرضا عليهما السلام(القسم الأول)

بمناسبة شهادة الامامين الهمامين، الحسن المجتبى والرضا عليهما السلام(القسم الأول)

الفرقدان

الحديث عن الامامين الشهيدين (ع)، هو، سرد الحقيقة الناصعة على جبين التاريخ، وان اختلف الزمن الذي اكتنف الشهادة. فالامام المجتبى (ع) كان معاصرا لمعاوية بن أبي سفيان، الشخص الذي سعى بكل ما استطاع إلى تحويل الخلافة الإسلامية، لتكون سلطة وراثية منحصرة في بني امية فقط ولا غير! وقد نجح في ذلك لأسباب عدة، اهمها: المال وشراء الذمم. أما الإمام الرضا (ع) فقد عاصر المأمون، الخليفة العباسي، الذي اشتهر بالمكر والخداع، وارتكاب ما اتاحت له الفرصة من جرائم باسماء شتى! وبغطاء من الدين وإعادة حق أهل البيت (ع) في خلافة المسلمين، وهو ابعد من ذلك بعد الثريا والثرى! حيث انتهى به الأمر، إلى اغتيال امام المسلمين بالحق، بالسم !، وقد سبقه والده هارون الرشيد بقتل والد الإمام الرضا (ع)، وهو مكبل بالأصفاد في سجنه ... وقبل ذلك، قام ابو جعفر المنصور، الخليفة العباسي الثاني، بعد ابي العباس السفاح، بقتل من قامت على كتفيه وامثاله، الخلافة العباسية، ابو مسلم الخراساني. وما فعله الرشيد بأقرب أصحابه اليه، وهم البرامكة، أظهر من الشمس، وكيف أوقع بهم وأبادهم كما وثقه التاريخ. فالمقارنة بين الخلافتين، الأموية والعباسية، قد تكون في غير محلها، الا ان القاسم المشترك بينهما، الاستيلاء على السلطة التي أطلقوا عليها (الخلافة )! وتحويلها إلى ملكية مطلقة، يتوارثها الأبناء عن الآباء، بأي ثمن كان! بازهاق الأرواح البريئة، وسفك الدماء الزكية !، متخذين الشعر، الحماسي منه خاصة، كاحدى الوسائل، لإثارة الحمية الجاهلية والعصبية القبلية. ذكر ابن خلكان في كتابه، الجزء الرابع، والمبرد في كتابه (الكامل)، ان معاوية بن أبي سفيان، قال مخاطبا بني امية: " اجعلوا الشعر اكبر همكم وأكثر آدابکم ،فإن فيه مآثر اسلافکم، ومواضع ارشادكم ... ". لقد واجه الإمام المجتبى (ع) هذا الشخص، الذي كان حقيقة، أعجوبة في المكر والخديعة، حيث قام بإزاحة الموالين لعلي (ع) وفكره الثاقب بطرق شتى، أقربها القتل والاغتيال! لانه لم يستطع التصدي لفكر تجذر في العقول والافئدة، مفعما بالولاء الخالص والحب لأمير المؤمنين (ع)، فقام بقتل حجر بن عدي، وعمرو بن حمق الخزاعي، من أصحاب مولى المتقين (ع)، لتأثيرهم على الناس ومكانتهم بينهم، ودفاعهم عن الحق والخلافة الإسلامية السليبة. (١). قال (ع)، حول فتنة بني امية: " ان الفتن اذا أقبلت شبهت (اي :اختلط الحق بالباطل)، واذا أدبرت نبهت ." (٢)، ونورق صفحات التاريخ قليلا، لنرى ما قال أبو سفيان، وهو في بيت الخليفة الثالث عثمان بن عفان " يا بني امية! تلقفوها تلقف الكرة، اما والذي يحلف به ابو سفيان ... ما زلت ارجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانکم وراثة. " (٣)، فهل يا ترى بعد، عذر للمتخلفين والقاعدين عن الدين، والكاتمين آيات الله تعالى عن الناس ؟ ف " ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ." (٤). كان مولد الإمام الحسن (ع) بالمدينة، ليلة النصف من شهر رمضان، على الصحيح المشهور بين الخاصة والعامة. (٥)، وجاء في (أسد الغابة ) لابن الاثير، عن أبي احمد العسكري، سماه النبي (ص) حسنا، ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية. وعن الكرم والسخاء، اللذين اتسم بهما الإمام (ع) فحدث ولا حرج. فقد روى ابن شهر اشوب في (المناقب)، ان رجلا سأله فاعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار. وعن تواضعه وحشره مع عامة الناس، أحاديث وروايات كثيرة، تملأ صفحات الكتب. ذكر ابن شهر آشوب، أيضا، في (المناقب) عن كتاب: الفنون، وكتاب: نزهة الأبصار، ان الحسن (ع) مر على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الأرض، وهم قعود يلتقطونها وياكلونها. فقالوا له: هلم يا بن بنت رسول الله إلى الغداء. فنزل وقال: فإن الله لا يحب المتكبرين، وجعل يأكل معهم، ثم دعاهم إلى ضيافته واطعمهم وكساهم .و أما في الخلق، فقول الرسول الاعظم (ص)، ادل دليل وبرهان على ذلك. عن الغزالي في (الاحياء)، والمكي في (قوت القلوب)، ان النبي (ص) قال للحسن (ع): " اشبهت خلقي وخلقي. "، وفي الزهد والورع والتقوى، يضرب المثل به. روى الصدوق في (الامالي)، باسناده عن الصادق (ع): ان الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، كان اعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم. لم تكن الأمة الإسلامية، آنذاك، مهيئة للانتفاع بشخصية كالامام المجتبى (ع)، فقد كانت تغط في سبات ونوم عميق !، خدرتها أكاذيب بني امية، ورواياتها، وأحاديثها المحرفة، المنقولة عن النبي (ص) رياءا وتزييفا، وظهرت البدع وكثرت الاقاويل الموضوعة، التي لا سند موثوق به لها ولا اساس! لم يكن بين الأمة الغارقة في ظلمات الجهل والتيه والحيرة، غير امام همام من آل البيت (ع)، لازاحة ظلمة الليل التي يتلبس بها بنو امية، لا سيما معاوية. فقد تناست او نست ما اوصاهم به الرسول الأكرم (ص)، وخاصة العلماء منهم، حيث قال: " اذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه، والا فعليه لعنة الله. " (٦) ... وأما الصلح مع معاوية، فكانت له أسبابه ودوافعه الخاصة، الا ان الامر الواضح فيما بين الإمام الحسن (ع) ومعاوية، هو، انكماش ما حوله من الناس وتخلفهم عن القتال، وإحقاق الحق. .. " ارسل الحسن (ع) في احد كتبه إلى معاوية، يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس، وان يدع البغي ويحقن دماء المسلمين، ويهدده ان ابى بالقتال. (٧) ... الا ان معاوية رد بالرفض على عروض الحسن (ع) بالدخول في البيعة، وادعى انه أولى بالخلافة. (٨)، فاستنفر (اي: الامام الحسن ع ) الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، ثم خف معه اخلاط الناس، بعضهم شيعة له ولأبيه، وبعضهم من الخوارج، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وغيرهم ... " (٩). وهكذا اضطر الإمام (ع) للصلح، رحمة ورأفة بعامة المسلمين وحقنا لدمائهم، ولم يلتزم معاوية، قط، بما تعهد به، كعادة اسلافه من بني امية !. ومما قاله الإمام (ع)، ردا على بعض المعترضين من شيعته: " ما أردت بمصالحتي معاوية، الا ان ادفع عنكم القتل " (١٠) و" ايها الناس، ان الامر الذي اختلفت فيه انا ومعاوية، إنما هو حق اتركه لإصلاح امر الأمة، وحقن دمائها ." (١١). وانتهى المطاف باغتيال الإمام المجتبى (ع)، بواسطة زوجته الخائنة، بسم بعثه اليه ملك الروم. (١٢)، وعندما علم باقتراب الاجل، تفرد إلى الله عز وجل داعيا ... " اللهم اني احتسب عندك نفسي، فانها اعز الأنفس علي، لم اصب بمثلها، اللهم آنس صرعتي، وآنس في القبر وحدتي، ولقد حاقت شربته (اي: معاوية )، والله ما وفى بما وعد، ولا صدق فيما قال. " (١٣). وهذا شعر منسوب اليه يخاطب به معاوية:

اذا اخذت مجالسنا قريش

فقد علمت قريش ما تريد

أأنت تظل تشتمني سفاها

بضغن ما يزول وما يبيد

فما مثلي تهكم يابن حرب

و لا مثلي ينهنهه الوعيد. (١٤).

و قال (ع) أيضا :

قل للمقيم بدار غير إقامة

حان الرحيل فودع الاحبابا

ان الذين لقيتهم وصحبتهم

صاروا جميعا في القبور ترابا. (١٥).

و هذا الفقيه، الأديب واحد علماء الشيعة، السيد رضا الموسوي الهندي، قال راثيا:

يا دمع سح بوبلك الهتن

لتحول بين الجفن والوسن

كيف العزاء وليس وجدي من

فقد الانيس ووحشة الدمن

بل هذه قوس الزمان غدا

منها الفوآد ... رمية المحن.

حشدت لنصرته الجنود وهم

 بين البغاة وطالبي الفتن

 ومحكم ومؤمل طمعا

و مشكك بالحق لم يدن

حتى إذا امتحن الجموع لكي

يمتار صفوفهم من الاجن

نقضوا مواثقهم سوى نفر

نصحوا له في السر والعلن. (١٦) .

----------------

_د. سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية .

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء