قال المحقق الكبير أحمد بن محمد، المعروف بابن مسكويه(۱) في كتابه تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق القيم الذي نقل نظره في حسن التنظيم والبيان ما نصه:
«والغضب بالحقيقة هو حركة للنفس يحدث بها غليان دم القلب شهوة للإنتقام، فإذا كانت هذه الحركة عنيفة، أججت نار الغضب وأضرمتها، فاشتدت غلياناً من القلب وامتلأت الشرايين والدماغ دخاناً مظلماً مضطرباً، يسوء منه حال العقل ويضعف فعله، ويصير مثل الإنسان عند ذلك على ما حكيه الحكماء مثل كهف مملوء حريقاً وأضرمت ناراً فاختنق فيه اللهيب، والدخان، وعلا منه الأجيج والصوت المسمى وحىّ النار، فيضعف علاجه ويتعذر إطفاؤه، ويصير كل ما ننبّهه على اللطف يسير ازدياده، ومادة لقوته، فلذلك يعنى الإنسان في الأسر ويصم عن الموعظة. فإن نصر الواعظ في تلك الحال سبباً للزيادة في الغضب، ومادة للهيج والتأجج، وليس يرجى له في تلك الحال حيلة.»
ثم يقول (وأما تفرّطاً) قال: «إن للسفينة إذا عصفت بها الرياح وتلاطمت عليها الأمواج، ودفقت بها إلى اللجج التي فيها الجبال، أرجى متى الغضبان للمذهب. وذلك أن السفينة في تلك الحال يلطف لها الملاحون ويخلصونها بضرب الجبل، فأما النفس إذا استشاطت غضباً فليس يرجى لها حيلة البتة، وذلك أن كل ما رقي به الغضب من التضرع والموعظة والخضوع يصير له بمنزلة الجزل من الحطب يوجهه ويزيده استعاراً» انتهى.
------------------
(۱) أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه (۴۲۱-٣٢٠ هـ) الفيلسوف والطبيب الإسلامي المعروف بالبعد المادي والعلمي والثقافة، والأدب، والنثر، والخط، والبلاغة، فله باع طويل في العلوم، ومن فلاسفة ترتيب السعادة، ومن المؤرخين أيضاً. له آراء في الأغاني جديرة بالذكر، وهو أول من نقل الفلسفة إلى الفارسية، له من المصنفات: تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، تجارب الأمم، الفصول، ترجمة كتاب ترتيب السعادة، وغيرها.
٢- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، طبع في إيران، عن أبناء، والطبعة الثانية في مصر، ص ١٨٣.
٣- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق للقضاء، والهوى.
------------------
القسم العربي، الشؤون الدولية، کتاب الاربعون حدیثاً، تعریب : السيد محمد الغروي، ص ١٥٧.