في نظر الإمام الخميني (قدس سره)، فإنّ الكيان الصهيوني لم يكن مجرّد حكومة محتلة، بل كان تجسيدًا حيًا لـ"الفساد في الأرض"، و"الإرهاب الرسمي"، و"جرثومة سرطانية" في قلب العالم الإسلامي. لقد كان الإمام الخميني يوضح ماهية هذا الكيان ببيان واضح وصريح مستند إلى الفقه الإسلامي، والمنطق العقلي، والتحليلات الاستراتيجية؛ تحليلات تنبع من فهم عميق للروابط الخفية بين الاستكبار العالمي، والاستعمار الجديد، والصهيونية. يمكن تلخيص رؤية الإمام الخميني لهذا الكيان الغاصب في المحاور التالية:
١- "غدة سرطانية" خطيرة:
لقد وصف الإمام الخميني (قدس سره) مرارًا الكيان الصهيوني بـ"الغدة السرطانية" أو "جرثومة الفساد". هذا الوصف يحمل عدة دلالات أساسية:
الغصب: هذا الكيان فُرض بالقوة على أرض فلسطين التي كانت ملكًا للمسلمين. وكان الإمام يؤكد على هذه الحقيقة. "فاسرائيل غاصبة ولابد من انقاذ القدس والقضاء على اسرائيل.( صحيفة الامام، ج6، ص371).
التهديد المتزايد: كان الإمام يحذّر من أن هذه "الغدة" لن تكتفي بالأراضي المحتلة الحالية، وكان يشير إلى خطة الصهاينة لإقامة "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات"، " لا تكتفي بهذه الاتفاقات وتعتبر الدول العربية من النيل إلى الفرات حقها المغصوب، وتتطلع إلى تنفيذ مخططها المشؤوم بمساعدة أميركا إذا ما وجدت الفرصة- لا سمح الله- لذلك وما لم تفق الحكومات العربية من نومها العميق. (صحيفة الامام، ج17،ص 379)، معتبراً التوسع في لبنان واحتلال الجولان أمثلة واضحة على هذا الطموح التوسعي.
ضرورة الاستئصال: في فكر الإمام، لا يمكن معالجة هذا "السرطان" إلا باجتثاثه من الجذور. وقد أكد مرارًا على ضرورة القضاء على هذا الخطر الكبير واجتثاث هذه "الشجرة الخبيثة".
٢- "عدوّ الإسلام والمسلمين" وعدوّ الإنسانية:
كان الإمام الخميني (قدس سره) يوضح بجلاء الطبيعة العدائية المتأصلة لهذا الكيان تجاه الإسلام والمسلمين بل تجاه الإنسانية جمعاء:
الحرب ضد الإسلام: كان يقول إن الكيان الصهيوني في حالة حرب مع الإسلام، ويعتبر أنّ أوامر القرآن الكريم بالقتال ضد من يحارب المسلمين تشمل إسرائيل. وكان يعتبر احتلال القدس الشريف (أولى القبلتين) والحفريات التهويدية تحت المسجد الأقصى جريمة كبرى بحق المقدسات الإسلامية. هناك أصل مهم آخر يؤكد أن لا يخضع المسلمون لسلطة الكفار (صحيفة الامام، ج16، ص34)
الظلم والجرائم: كان الإمام الخميني يشير مرارًا إلى الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، ولبنان (خاصة جنوب لبنان)، وسوريا، من قتل المدنيين، وتشريد السكان، وتدمير المنازل. "انظروا ماذا تفعل اسرائيل بلبنان وسورية وانظروا كيف اعلنت ضم الجولان وتريد اكثر من ذلك (صحيفة الامام، ج16،ص 34)" وتعتدي بهذه الصورة على الشعب اللبناني المظلوم وعلىسكان بيروت الاعزاء" (صحیفة الامام،ج16 ، 386).
العداء للمستضعفين: الطابع العدواني والاستعماري للكيان الصهيوني كان يجعله في مواجهة مع جميع المستضعفين والأحرار في العالم. وكان الإمام يعتبر الدفاع عن شعب فلسطين ولبنان دفاعًا عن المظلومين.
٣- "أداة الاستعمار" و"عميل أمريكا":
كان الإمام الخميني (قدس سره) يفضح بوضوح الارتباط المطلق للكيان الصهيوني بالقوى الكبرى وخصوصًا أمريكا، ودوره كأداة للاستعمار في المنطقة:
دعم القوى العظمى: كان الإمام يؤكد أنّ قوة الكيان الصهيوني مستمدة من الدعم غير المشروط من أمريكا. "هل كان يمكن لإسرائيل أن تغتصب فلسطين بدون مساندة أمريكا؟!" (صحیفة الامام العربية ،ج16 531)
أداة للهيمنة: كان الإمام يصف الكيان الصهيوني بأنه "قاعدة لأمريكا" و"خادم فاسد جدًا لها"، وكان يرى أن الهدف النهائي من هذا التعاون هو السيطرة على المنطقة، ونهب الثروات (خاصة النفط)، وإضعاف العالم الإسلامي. میدانستند "أن يخلقوا العداء بين المسلمين ليفتحوا الطريق أكثر فأكثر أمام القوى الكبرى وسيطرتها " (صحيفة الامام، ج15، ص149)
نشر الفرقة: كان الإمام يرى أن من أهداف إيجاد وتقوية الكيان الصهيوني زرع الفتنة بين الدول والشعوب الإسلامية وصرف انتباههم عن العدوّ الحقيقي وهو الاستكبار.
استنادًا إلى هذه الرؤية، فإن الإمام الخميني (قدس سره) كان يعتبر الكيان الصهيوني "غدة سرطانية" غاصبة، وعدوًا للإسلام والمسلمين، وعميلًا للاستعمار وأداةً للإجرام الاستكباري في المنطقة، ليس له أي شرعية وجودية، ويُشكّل خطرًا دائمًا ومتزايدًا على الأمة الإسلامية وقيمها. وكان يرى أن السبيل الوحيد لمواجهة هذا الخطر يكمن في الوحدة الشاملة بين الشعوب والحكومات الإسلامية، وقطع كافة العلاقات والدعم عن هذا الكيان، واستخدام أدوات مثل مقاطعة النفط، والمقاومة المستمرة حتى القضاء التام على هذا الكيان الغاصب. وكان يعتبر السكوت أو المساومة معه خيانة للإسلام والمسلمين، ويؤكد دائمًا على ضرورة اليقظة والتصدي الجاد له.
---------
القسم العربي، الشؤون الدولية.