عبد الباري عطوان
كرر ويكرر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ادعاءاته أكثر من مرة بأن جيشه يقاتل الآن على سبع جبهات في آن واحد، ونجح نجاحا كبيرا في تدمير محور المقاومة، وخاصة ذراعيه في لبنان وقطاع غزة، ولكن ممارسته لعقيدته السياسية والعسكرية في الهروب الى فتح جبهات جديدة كلما ازداد الخناق حول عنقه تؤكد فشله في معظم هذه الجبهات، ان لم يكن كلها، بدليل عودته الى التهديد والاستعداد لتوجيه ضربة جديدة لإيران في الأيام القليلة المقبلة، في محاولة يائسة لإصلاح ما فشل فيه في العدوانات السابقة.
العذر الجديد الذي “اخترعه” نتنياهو لتبرير هذه الحرب المحتملة انعكس في التصريحات التي ادلى بها يوم امس في حديث مع موقع امريكي بارز، تجسد في الادعاء ان ايران طورت صواريخ تسعى لضرب أهدافا على بعد 8000 كم، وفي العمق الأمريكي، وسمى مدنا مثل نيويورك وواشنطن وبوسطن وميامي ستكون هدفا لقصف نووي.
الاكذوبة الأكبر التي قالها في هذه المقابلة الإعلامية تتمثل في قوله ان أمريكا لا تحمي إسرائيل، بل إسرائيل هي التي تشكل حائط صد لحماية أمريكا من هذه الصواريخ الإيرانية التي تشكل خطرا كبيرا عليها “لأننا لا نريدها ان تكون تحت نيران هؤلاء الذين لا يتحلون بالعقلانية، ويرددون شعار الموت لامريكا”.
من المفارقة ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أصبح أداة في يد نتنياهو عزف نفس النغمة اليوم عندما هدد بضرب ايران مجددا اذا أعادت بناء برنامجها النووي الذي إدعى انه دمره بالكامل في العدوان الأخير.
نتنياهو الذي لم ينتصر جيشه في أي من الجبهات السبع التي يقول انه يقاتل فيها، يريد في محاولة يائسة خداع الشعب الامريكي الذي تؤكد جميع استطلاعات الرأي ان 23 بالمئة فقط منه يؤيد دولة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال إعادة التلويح مجددا بخطر “البعبع” الإيراني، والحديث عن هذه الصواريخ العابرة للقارات، التي لم نسمع عنها من أي مصدر آخر، سواء كان أمريكيا او أوروبيا.
ومن سخريات القدر ان نتنياهو الذي أدت حرب الابادة التي يقودها في قطاع غزة، الى استشهاد أكثر من 67 الفا من أهله، نصفهم من الأطفال وإصابة 200 ألف آخرين، يدعي ان الايرانيين الذين لم يقتلوا طفلا أمريكيا او أوروبيا واحدا، “غير عقلانيين”، ويرددون شعار الموت لامريكا، وهو الوحيد وتابعه ترامب العقلاء.
“العقلانيون” الأوروبيون والامريكان هم الذين اعادوا فرض العقوبات والحصار على الشعب الإيراني بذريعة ان ايران لم تلتزم ببنود اتفاق عام 2015، النووي الذي اخترقوه وانسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بضغط من بنيامين نتنياهو، وها هم يعيدون الحصار مجددا لإلحاق أكبر أذى ممكن بالشعب الإيراني وتجويعه مثل أشقائه في غزة لدفعه الى الانقلاب على حكومته تحت اسم إعادة تطبيق “آلية الزناد”.
نتنياهو المأزوم والمهزوم ما زال يحلم بتغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة ولهذا يشن حروبا إقليمية ضد جميع الدول العربية المجاورة، وغير المجاورة، وإقامة إسرائيل الكبرى في إطار شرق أوسط جديد يقف على أبواب أخطر مغامرة عسكرية في تاريخ دولته العنصرية القصير جدا، والمنبوذة عالميا، وبدأت تلفظ أنفاسها، التي قد تكون الأخيرة.
فعندما لا يجد نتنياهو من يحضر خطابه الأخير في الأمم المتحدة باستثناء بعض العاملين في وظائف النظافة، وممثلي دول صغيرة لا يمكن رؤيتها على الخريطة الا بمكبر ضخم جدا، وبعض المرتزقة الذين جاءوا بهم للتصفيق، فان هذا يؤكد ان العزلة بلغت ذروتها، وان العالم أفاق من غيبوبته وبات يعرف الطابع الاجرامي الإرهابي العنصري لدولته، والشكر كل الشكر للمقاومة والشهداء والجرحى في قطاع غزة.
ايران التي فشلت كل الرهانات الإسرائيلية على هزيمتها، وانتفاض شعبها ضد قيادتها في العدوان الثنائي الأمريكي الإسرائيلي الأخير، لن تقف مكتوفة الأيدي، وستتصدى بفاعلية أكبر لأي عدوان امريكي جديد، وستفاجئنا وتفاجئهم (المعتدين) بردود عسكرية مثلما فاجأتهم في العدوان الأخير بصواريخ “فتاح” و”سجيل” و”خيبر”، وتدمير النصف الآخر الشمالي من تل ابيب، مثلما فعلت بالنصف الأول الجنوبي في حرب الـ 12 يوما، ونتحدى نتنياهو وترامب ان يرفعا الرقابة العسكرية عن أجهزة الاعلام والسماح ببث الفيديوهات التي توثق هذه الخسائر المادية والبشرية، ناهيك عن اعداد قتلاهم وجرحاهم في حرب غزة على ايدي كمائن وبنادق رجال المقاومة.
السيد محسن رضائي القائد العام السابق للحرس الثوري، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران والمقرب من السيد علي خامنئي المرشد الأعلى قال بالحرف الواحد “في حال تعرضت ايران لهجوم إسرائيلي جديد، فإن القوات الإيرانية ستستخدم كل قدراتها، وستغير كل الخطوط الحمراء الحالية”، والأهم من ذلك “مطالبة العشرات من النواب في البرلمان الإيراني بالبدء في تصنيع قنبلة نووية وإعادة تقييم عقيدة الدفاع الحالية في البلاد”، هذا اذا لم تكن هذه القنبلة، او القنابل قد جرى تصنيعها سرا والله اعلم.
قلناها ونكررها، انها أخر الحروب، ونقطة النهاية لدولة الاحتلال، وربما العظمى الامريكية، فمن يرفض تسليم 450 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسية أكثر من 60 بالمئة الموجودة في حوزته بمقابل عدم عودة العقوبات، لا نعتقد انه سيستقبل الصواريخ والطائرات الامريكية والإسرائيلية المعتدية مكتوف اليدين، وبالأغاني والاهازيج، ومن لم يستطع هزيمة غزة، واليمن بعد 24 شهرا من العدوان والقصف، لن يستطيع هزيمة ايران.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان ، رئيس تحرير جريدة رأي اليوم .
----------
القسم العربي، الشؤون الدولية، نقلا عن (رأي اليوم).