د.خواسته -باحث و اكاديمي
تمرفي الثاني عشر من شهر ارديبهشت، وهو الشهر الثاني من السنة الايرانية، ذكرى استشهاد العلامة والمفكر الايراني الاسلامي الكبير الشيخ مرتضى المطهري، ويوم المعلم الذي انار بفكره المتوقد طريق الناشئة والاجيال على مر التاريخ.فما اجل الذكرى وما اجل اليوم. ذكرى ارتواء شجرة العلم الوضّاء، لتصبح عملاقة ذات ظلال وارف، بدماءمفكر كبير وفيلسوف اسلامي مقتدر.واليوم، هو يوم هذا المعلم الذي انار بشهادته الطريق، وأصبح منارة لكل طالب وطالبة علم، مهما كان وكانت وفي اي مكان كان وكانت. وهذا الامام الخميني (قدس سره)الذي يعتبر بحق معلم اخلاق، ومعلم فكر وعقيدة بل ومعلم ثورة تستقى جذورها من اصالة اسلام.. كما هو على حقيقته وواقعه وكما اراده الله تعالى له، وكما جاء في القرآن الكريم.. هذا هو معلم الثائرين السائرين على درب نهج محمد (ص) وآل بيته الطاهرين (ع). قال، فيما قاله، بهذا الشأن: «إن للمعلمين مقاماً كبيراً وتقع على عاتقهم مسؤولية جسيمة..المعلمون هم الذين يستطيعون حفظ بلدنا، حفظ استقلال بلدنا[1]».. والحق هو ذلك. فالمعلم الذي يتولى تربية الانسان، يجب ان يكون مؤهلا ومستعدا للهدف الذي يرمى الوصول اليه عن طريق التربية، ومقامه ومسؤوليته اكبر من ان نصفها بكلمة او عبارة او نص! الذي يربى انسانا وينيرله الطريق ويهديه الى ما هو يريده، قد ترتطم سفينته بامواج أو صخور، تُعيقها عن هدفها السامي.. وقد تتكسر وتتهشم او تغرق في أعماق ظلمات الامواج وتنحدر الى القعر، إذا لم يكن صاحب الهدف، راسما خارطة مساره ومحددا ما يصبو اليه، لاسيما في البلد الاسلامي، كإيران، ولاسيما، ايضا، بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة. لذلك فقد اشار الامام (قدس سره)الى تلك المسئولية، بأنها «الجسيمة» و الى المعلمين بأنهم «الذين يستطيعون»حفظ البلاد واستقلاله. وإذا ما تتبعت التاريخ الاسلامي منذ بدايته، اي منذ صدر الاسلام حتى يومنا هذا، فستجد ان تاريخنا الاسلامي ومصادره تلقى اضواء مشعة على التعليم والمعلم والدورالذي يقوم به المعلم خاصة في التربية الاسلامية بشكل عام.. سواء في حلقات الدرس في المساجد والحوزات العلمية او المدارس والجامعات، واول ما بعث الله تعالى، الى الناس.. هم المعلمون الأوائل، الانبياء الذين بُعثوا مبشرين ومنذرين.. هداية ومنارا للانسانية جمعاء. قال الامام (قدس سره): « إن (التعليم) هو أهم ما كُلّف به الأنبياء الذين أرسلهم الله تبارك وتعالى، فوظيفة الأنبياء التي كلفهم الله بها هي تربية الإنسان.. فمنذ البداية عندما جاء آدم، جاء مع التعليم الإلهي وكان معلماً للبشر[2]» وهنا تتضح المهمة التي اسندها الله تعالى الى رسله وانبيائه، فالرسول والنبي، قبل أن يكون مرسلا من الباري عزوجل، هو معلم، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. فالمعلم عندما يخطوخطواته الاولى للتعليم، يرسم طريقه ويعرف من اين يدخل قلوب مَن يريد هدايتهم وارشادهم الى الصواب، وكيف يلفت انظارهم ليستمعوا اليه بقلوبهم قبل اذانهم.. المعلم الحقيقي هو كذلك.. وشغل اي معلم جاء بعد ذلك هو في الواقع شغل ومهنة الانبياء ومااشرفه من شغل ومااشرفها من مهنة. فهذا الشأن قال الامام (قدس سره): « إن جميع الذين يعملون عمل الأنبياء تقع على عاتقهم مسؤولية جسيمة. فمسؤولية المعلمين مسؤولية عظيمة، كما إن مسؤوليه علماء الدين مسؤولية عظيمة. أي إن هناك مسؤولية واحدة تقع على عاتق الجميع.[3]» والنهج الذي يسير عليه المعلم، اذن، هو امتداداً لنهج ورسالة الانبياء.. فالرسول (ص)والامام علي (ع)هما المعلمان اللذان انارا الطريق و لازالا.. أمام الاجيال برمتها.. وأمام البشرية جمعاء في كافة انحاء المعمورة .. ولو اهتدى الناس بذلك، كما اراده النبي (ص)والامام علي (ع)لهم، لما انزلق الكثير منهم في هوّة الانحراف والخروج عن الطريق المنير فـ «شغل الأنبياء في منتهى الشرف لأنّهم جاؤوا لصنع الإنسان، فكانت مسؤوليتهم فوق كل مسؤولية[4]»، لأن العمل الذي يقومون به من اجل الاعمال واشرفها مهما كانت. إن الذين يعلمون انسانا جاهلا ويرشده الى مافيه صلاحه، هو في الحقيقة يُنشيئ انساناً آخر يختلف عن سابقه، ويعده للقيام بدور مهم في الحياة.. مثمر.. يُفيد به نفسه والاخرين.. وقد يُصبح ذلك الانسان وكثيراً ما يحدث، معلّما أخر كمعلمه الاول ويتبع طريق معلمه للهداية والدعوة الى الحق ودين الحق.. فينشأ عند ذلك، جيل قد تربى على هدى الله تعالى واصبح راعيا وحافظا لبلاده، وصامداً بوجه الطغاة مما اختلفت الاسماء التي يطلقونها على انفسهم ومهما اختلفت الأزياء التي يرتدونها.. وذلك الجيل هو الذي يقود البلاد الى بر الامان. قال سماحته (قدس سره)مخاطبا المعلمين:«انتم تعلّمون جيلا سوف يتسلم جميع مقاليد وشؤون البلاد في المستقبل. أنتم امناء على مثل هذا الجيل. يجب ان تكون تربيتكم وتعليمكم متقارنين مع بعضهما البعض. وهذا الواجب ليس على عاتق معلم التربية الدينية لوحده، هذا واجب جميع المعلمين.»[5] وهكذا فالطريق واضح.. سلكه الكثير من المتعلمين والمعلمين، واي احد منا یستطيع ان يكون معلما بذاته ومتعلماً يأخذ مايريد من معلم آخر.. الّا ان الفرق بين معلم واخر.. لازال، كما كان منذ بدء، ظاهر المعالم، اي، معلم مهتدٍ.. يهدي بهدايته الجيل.. ومعلم هو يحتاج الى هادٍ يهديه! فقد كان العلامة الشهيد المطهري، معلماً انار بتعليمه وقلمه الظلمات في عهد احتبست فيه الكلمات عند الكثيرين ولم تخرج من الافواه الّا نادراً! .. وقد ترجم، بحق، رسالته على ارض الواقع، حينما ازال الاوهام عن الاذهان التي تلبدت بغيوم الريبة حول الاسلام والقرآن الكريم خاصة، وازاح الستار عما كان يقوم به النظام الملكي المقبور، من ظلم وفساد ومحاربة للدين ولدعاة الدين الشرفاء بما فيهم المعلم و المفكر وحتي المتعلم. فالحق في هذه الذكري العظيمة واليوم العظيم ان نقف اجلالاً لكل معلم شريف قادنا إلى النور.
قِف للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلمُ ان يكون رسولا
أرأيتَ اكرمَ أو أجلّ من الذي يبني ويُنشيئُ انفساً وعقولا
[1] صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج7، ص: 123
[2] صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج7، ص: 310-312
[4] صحيفة الامام (قدس سره)، نفس المصدر، ج8، ص: 80
[5] نفس المصدر، ج14، ص: 34